المرض إلى الصحة ، وبالعكس إلا أنه ربما لا يؤثر على أى انتقال قدر ، وأى اختلاف اتفق ، حتى يكون اختلاف خلق النفس تابعا لاختلاف مزاج البدن مهما كان ووقع ؛ بل يكون ذلك متوقعا على حد محدود ، واختلاف معين فى المزاج البدنى عند الطبيعة على نحو ما قالوه فى كون الصور العنصرية ، وفسادها عند استحالة عوارض موادها ، وانتقالها من حالة إلى حالة ، نعم لا يبعد أن تكون الطبيعة قد اقتضت وضع البدن ، أو بعضه على مزاج مخصوص قابل للنفس من حيث هى نفس إنسانية ، أو غيرها ، ويكون اقتضى ذلك مع اقتضاء كون النفس ، أو قبله حتى لو فسد ، أو تغير عن ذلك الحد المحدود الّذي يتوقف عليه اتصال النفس بالبدن ؛ لفارقت النفس البدن ، وما مثل هذا المزاج لا يتصور أن يخالف فيه بدن بدنا من الأبدان الإنسانية.
وأما ما وراء ذلك من الامتزاجات التى تتوقف عليها العوارض النفسية الخارجة عن جوهرية النفس فمما لا يبعد تبدلها ، والقول بانتقالها من حال إلى حال ، ومن شأن إلى شأن.
وعلى هذا فما احتجوا به من أقوال أسلافهم من أن الأنواع المختلفة ذوات النفوس إنما اختلفت أمزجتها ، وأشكالها ؛ لاختلاف طبائعها فى أنفسها ؛ فقول غير موثوق به ، ولا هو حجة فى نفسه.
وبتقدير أن يكون حجة ؛ فيجب حمله على الأمزجة التى بها قبول البدن للنفس من حيث هى نفس مخصوصة ، إما نفس إنسان ، أو فرس لا على غيرها من الأمزجة.
وأما قول أرسطو فى الحرية فليس بحجة.
وإن كان حجة ؛ فلا يمتنع أن يكون المراد من قوله الحرية ملكة نفسانية ، ومن قوله إن الحرية طباع أول جوهرى ـ أن ذلك من توابع النفس مشروطا بمزاج البدن ؛ وذلك لا يلزم منه عموم الحرية لكل إنسان ، وإن اتحدت طبيعة أنفسهم.
وأما الحجة على القول باتحاد نوع الأنفس الإنسانية ، فمبنية على اشتراك الأنفس فى أصل القوة العملية والنظرية ، وإنما يلزم ؛ أن لو كان اشتراكها فى هذه القوى لذاتها.
وما المانع أن يكون ذلك لها من فاعل مختار؟
وبتقدير أن تكون تلك القوى من لوازم ذاتها ؛ فلا مانع من اشتراك المختلفات فى لازم عام لها.