يقول ابن زهرة :
«فإنّ التقديس الذي يتّصل بالرسل إنّما هو لفكرتهم التي حملوها ، فالتقديس لمحمدصلىاللهعليهوآله تقديس للمعاني الّتي دعا إليها ، وحثّ عليها فكيف يتصوّر من مؤمن عرف حقيقة الدعوة المحمدية أن يكون مضمراً لأيّ معنى من معاني الوثنية وهو يستعبر العبر ، ويستبصر ببصيرته عند الحضرة الشريفة والروضة المنيفة ، فإذا كان خوف ابن تيمية من أن يؤدّي ذلك إلى الوثنية بمضي الأعصار والدهور فإنّه خوف من غير جهة ؛ لأنّ الناس كانوا يزورون قبر الرسول صلىاللهعليهوآله إلى أوّل القرن الثامن ثمّ استمرّوا على هذه السيرة في العصور من بعده إلى يومنا هذا ، ومع ذلك لم ينظر أحد إلى هذا العمل نظرة عبادة أو وثنية ، ولو تفرّط أحد فهو من العوام ولا يمنع تلك الذكريات العطرة ، بل يجب إرشادهم لا منعهم من الزيارة وتكفيرهم» (١).
قال الشيخ محمد زاهد الكوثري من علماء الأزهر الشريف :
«إنّ سعي ابن تيمية في منع الناس من زيارة النبيّ صلىاللهعليهوآله يدلّ على ضغينة كامنة فيه نحو النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وكيف يتصوّر الإشراك بسبب الزيارة ، والتوسّل في المسلمين الّذين يعتقدون في حقّه أنّه عبده ورسوله ، وينطقون بذلك في صلاتهم نحو عشرين مرة في كل يوم على أقلّ تقدير ، إدامة لذكرى ذلك ولم يزل أهل العلم ينهون العوام من البدع في كل شئونهم ، ويرشدونهم إلى السنّة في الزيارة وغيرها إذا حدث منهم بدعة في شيء ، ولم يعدّوهم في يوم من الأيام مشركين بسبب الزيارة أو التوسل ، وأوّل من رماهم بالإشراك بتلك الوسيلة هو ابن تيمية وجرى خلفه من أراد استباحة أموال المسلمين ودمائهم لحاجة في النفس (٢).
وأمّا ما رواه إمام الحنابلة عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «اللهمّ
__________________
(١) كلام ابن زهرة في كتابه حول حياة ابن تيمية.
(٢) تكملة السيف الصقيل : ١٥٦.