فالعلماء في هذا المجال على رأيين :
الأوّل : الإنسان موجود آلي مركّب من عرق وعصب ولحم وعظم ، وما الشعور إلّا نتيجة تفاعل هذه الأجزاء بعضها ببعض ، وليس وراءَ هذا التركيب المادّي أيّ وجود آخر باسم الروح والنفس ، وأنّ الإنسان يفنى بموته ، وبه تنتهي شخصيته و «ليس وراء عبّادان قرية» وقد انطلت هذه النظرية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على كثير من الباحثين في الغرب ، وبذلك قاموا بنفي العوالم الغيبيّة وراء المادة ، وحسِبوا أنّ الوجود يساوي المادة وهي أيضاً تساويه ، وبذلك شيّدوا المذهب المادّي في ذينك القرنين.
الثاني : أنّ واقع الإنسان الذي به يعدّ إنساناً ، هو نفسه وروحه ، وليس جسمه إلا أداة بيد روحه وجهازاً يعمل به في هذا العالم المادّي ، وهذا لا يعني أنّه مركّب من جسم وروح ، بل أنّ الواقع فوق ذلك ، فالإنسان هو الروح ، والجسم كسوة عليه ، ونِعْمَ ما قيل :
يا خادَم الجسم كم تسعى لخِدمته |
|
أتطلب الربح فيما فيه خسرانُ |
أقبل على النفس واستكمل فضائلها |
|
فأنت بالروح لا بالجسم إنسان |
ومن حسن الحظ أنّه في الوقت الذي كان المادّي يرفع عقيرته وينادي بأنّه ليس وراء المادة شيءٌ أثبتت البحوث العلمية بطلان هذه النظرية ، فقام الروحيّون بنشر رسائل عديدة وكتب كثيرة تشتمل على تجاربهم وأدلّتهم في هذا المضمار ، وبذلك دمّروا ما بُني من تفكيرات مادية بمعاولهم العلمية.
وبما أنّ بحثنا في هذه الفصل يعتمد على الكتاب والسنّة فنترك أدلّتهم للقارئ