قلنا : إن العدم ليس بمعنى موجود ، وليس مما له إنيّة (١) ولا حدود ، وإنما مطلبنا فيما قلنا ، للخلاف بين ما قد عقلنا ، من ذوات الإنّيّة الموجودة الثابتة بالحس ، أو الشهادة الباتّة من درك النفس ، أو ما يدرك خلافا لهما جميعا ، فيوجد أثر تدبيره بيّنا (٢) فيهما معا.
فأما ما ليس بذي أيس ، (٣) ـ ولا يدرك درك محسوس ، ولا يعرف بفرع ولا سوس(٤) ، ولا يبين عن نفسه بأثر من تدبير ، ولا يستدل على وجوده بدليل منير ـ فليس فيه لنا مطلب ، ولا لنا إليه بحمد الله مذهب ، وإنما قولنا في العدم ، إنه خلاف في الوهم ، لا في حقيقة للعدم موجودة ، ولا عين منه قائمة ولا محدودة ، وإنما (٥) يطلب خلاف الأشياء كلها في حقائق الأعيان ، بما يدرك في العقل والعلم من الاختلاف ببتّ الايقان ، وكذلك وجدنا الاختلاف الصّحيح اليقين يكون ، بين ما يحس أو يعقل من الأشياء التي لها كون ، فأما العدم الذي هو ليس (٦) ، والذي لم يتوهم له قط أيس ، فليس في بعده من أن يقال : مختلف بحقيقة أو مؤتلف وهم ، وليس لأحد علينا والحمد لله في اختلاف منه ولا ائتلاف متكلّم ، هو غير ذي شك عدم الأعدام ، ولا (٧) يرتفع عنه إلا بعبارة المنطق (٨) نطق الكلام.
__________________
(١) إنية الشيء : ذاته.
(٢) سقط من (ب) و (ج) : بيّنا.
(٣) أي : بذي وجود ، قال الخليل وإنما معناها كمعنى حيث هو في حال الكينونة والوجد. لسان العرب مادة أيس.
(٤) أي : أصل. لسان العرب مادة سوس.
(٥) في (أ) : فإنما.
(٦) أي : نفي معدوم.
(٧) في (أ) و (ه) : وما.
(٨) أي : لا يتبين إلا بالاسم ، وإلا فهو ليس بشيء موجود.