مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً)(٥١) [الفرقان : ٤٧ ـ ٥٤]. فقرّر سبحانه بذكر آيات الظل ودلائله ، ما يسمع من ذكر آيات خلقه وفطره وجعائله ، رحمة منه ورأفة بعباده ، وزيادة منه برحمته لهم من إرشاده ، للمعرفة به والإيقان ، إذ لا يدرك بحاسة ولا عيان ، ولا يعرف ماله من الكبرياء والجلال ، إلا بالشواهد والآيات والاستدلال ، وكان دركه سبحانه بذلك أصح الدرك ، وأنفاه لكل (١) مرية وشك ، لأن درك الاستدلال واليقين ، لا يدخل عليه ولا فيه ما يدخل من الشك في درك العين ، لأن العين ربما رأت الشيء شيئين ، كالهلال تراه (٢) هلالين ، كالشيء الصغير إذا بعد تراه كبيرا ، وكالكبير إذا كان كذلك تراه صغيرا ، ودرك اليقين (٣) والاستدلال والأفكار ، فدرك بريء من كل شبهة وشك واحتيار ، لا يزداد بالنظر والفكر إلا استيثاقا ، ولا يتيقنه (٤) فيما أيقن به من الأمور كلها إلا استحقاقا ، فدركه الدرك البتّ اليقين ، وعلمه العلم المثبت (٥) المبين.
فمن تفهّم يا بني ـ أرشدك الله ـ يسيرا قليلا ، مما ذكرنا (٦) لله من آياته عليه دليلا ، اكتفى بقليل ذلك ويسيره ، كفاية كافية بإذن الله من كثيره ، وكان في اقتصاره على اليسير القليل ، كفاية له من (٧) التبيين والدليل ، ومن (٨) ازداد في ذلك من الآيات والدلائل كان له في ذلك من المزيد ، أكثر ـ والحمد لله ـ مما يريد (٩) في ذلك من كل مزيد ، ولم يتقدم في الاستدلال فترا ، (١٠) إلا وجد منه شبرا ، ولا في حسن النظر ذراعا ،
__________________
(١) في (ب) و (د) : من كل.
(٢) في (أ) و (ج) : ترى.
(٣) في (ب) و (د) : النفس.
(٤) في (ب) : استيقافا. وفي (د) : اشثياقا. مصحفة. وفي (ب) و (د) : ولا بيقينه.
(٥) في (أ) : المنبث.
(٦) في (ب) و (د) : بما ذكره.
(٧) في (ب) و (د) : في.
(٨) في (أ) و (ج) : وما.
(٩) في (ب) و (ج) : يزيد.
(١٠) الفتر : ما بين طرف الإبهام وطرف المسبحة.