قال القاسم عليهالسلام : إن هذه الدار دار امتحان ، ودار ابتلاء ، وحقيقة الامتحان فهو : أن يخلق فيه ، أو يأمره بشيء يثقل على طباعه ؛ فينظر هل يطيع ، أم لا يطيع؟
ولو خلق الله ما هو خفيف على طباعه ، ثم أمره بالخفيف لكان ذلك لذة له ، وليس بامتحان (١). فلما كانت هذه الدار دار امتحان ، كان الواجب في صواب التدبير ، أن يمزج الخير بالشر ، والنفع بالضر ، والمكروه بالمحبوب ، والحسنة بالسيئة ، والكريه المنظر بالحسن المنظر ، إذ كانت الدار دار امتحان ؛ لأنه (٢) لو كان كله محبوبا كان دار الثواب ، ولو كان كله مكروها ، كان دار العقاب ، ودار الثواب والعقاب هذه صفتها.
واعلم أنه لو (٣) لم تعرف علل ذلك لكان جائزا ، وذلك أنه في بدي الأمر ، إذا أقمت الدلالة على أنه حكيم في نفسه وفعله ، ثم دللت على أن الكل من أفعاله حكمة ، استغنيت عن معرفة علله.
ومثال ذلك من الشاهد : أنا لو هجمنا على آلات من آلات الصانع ، فرأينا اعوجاج المعوجات ، واستواء المستويات ، وصغر بعضها ، وكبر بعضها ، وغلظ بعضها ، ورقة بعضها ، فحكمنا (٤) أن صانعها غير حكيم ، لكنا جاهلين بالحكمة ، نضع الحكمة في غير موضعها. بل حينئذ الواجب علينا أن نسلم للحكماء حكمتهم ، ونعرف أنهم لا يفعلون شيئا من ذلك إلا لضرب من الحكمة يعرفونه ، ونعلم بأن المعوج والمستوي ، وكل زوج منها يصلح لعمل لا يصلح له الآخر ، فحينئذ وضعنا الحكمة في موضعها. فاعرف ذلك وتبيّنه ، تجده كما قلنا إن شاء الله تعالى.
فلما (٥) كانت أفعال الله كلها إحسانا ، أو داعية إلى الإحسان ، كان تبارك وتعالى
__________________
(١) في (ب) و (د) : ولم يكن بامتحان.
(٢) في (ه) : لأنه جل وعلا لو.
(٣) في (ه) : واعلم أنه ولو لم نعرف.
(٤) في (ه) : وكثرة بعضها. وقلة بعضها. وفي (ب) و (د) : فحكمنا على.
(٥) في (ب) و (د) : ولما.