لا يقال : إذا كان اتّباع غير سبيل المؤمنين حراما عند حصول المشاقّة وجب أن يكون اتّباع سبيلهم واجبا عند المشاقّة ، والتالي باطل ، لأنّ المشاقة ليست هي المعصية كيف كانت وإلّا لكان كلّ عاص مشاقّا له ، بل هي الكفر وتكذيبه ، وإذا كان كذلك لزم وجوب العمل بالإجماع عند تكذيب الرّسول ، وهو باطل ، لأنّ العمل بصحّة الإجماع متوقّف على العلم بالنبوة فإيجاب العمل به حال عدم العلم بالنبوة تكليف بالجمع بين الضدين ، وهو محال.
لأنّا نقول : لا نسلّم أنّ تحريم اتّباع غير سبيل المؤمنين عند المشاقّة يستلزم وجوب اتّباع سبيلهم عندها لثبوت الواسطة ، وهي عدم الاتّباع ؛ ونمنع (١) امتناع وجوب اتّباع سبيل المؤمنين عند المشاقّة ، وأنّها لا تحصل إلّا مع الكفر ، لأنّها مشقّة من كون أحد الشخصين في شق والآخر في آخر ، ويكفي فيه مطلق المخالفة وإن لم يبلغ حد الكفر.
سلّمنا أنّ المشاقّة لا تحصل إلّا عند الكفر ، لكن لا ينافي الكفر تمكّن العمل بالإجماع ، لأنّ الكفر كما يكون بالجهل بصدقه عليهالسلام فقد يكون بغيره ، كشدّ الزنّار (٢) ، وإلقاء المصحف في النجاسات ، والاستخفاف بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع الاعتراف بصدقه ونبوته ، وإنكار نبوته باللّسان مع العلم بكونه نبيا ، وكلّ ذلك لا ينافي العمل بوجوب الإجماع. (٣)
__________________
(١) في «ب» : يمتنع.
(٢) الزّنّار والزّنّارة : ما على وسط المجوسي والنصراني ، وفي التهذيب : ما يلبسه الذّمّيّ يشدّه على وسطه. لسان العرب : ٤ / ٣٣٠ ، مادة «زنر».
(٣) في «ب» بزيادة : المنافاة.