وأيضا لو انعقد الإجماع مع مخالفة الأقل فإمّا أن ينعقد الإجماع عليه فيلزم ترك ما علم بالدّليل والرجوع إلى التقليد ، وذلك ممتنع في حقّ المجتهد ؛ وإن لم ينعقد عليه لم يكن الإجماع حجّة مقطوعا بها ، فإنّه لو كان مقطوعا به لما ساغت مخالفته بالاجتهاد.
واعترض عليه بأنّا إن قلنا انعقاد إجماع الأكثر دون الأقلّ حجّة قاطعة ، فالقول برجوع المجتهد الواحد إليه واجب ، وإن كان خلاف ما أدّاه اجتهاده إليه لوجوب الرجوع عن الاجتهاد إلى الدليل القاطع ، كما لو أجمع أهل العصر على حكم ثمّ جاء مجتهد أدّاه اجتهاده بعدهم إلى مخالفتهم لم يجز العمل باجتهاده ، بل وجب عليه الرّجوع إليهم.
احتجّ المخالف بوجوه : (١)
الأوّل : لفظ المؤمنين والأمّة يتناول الأكثر إذا كان الأقل نادرا كالواحد والاثنين ، كشعر فارسي فيه عربية قليلة ، وكثور أسود فيه شعرات بيض ، وكالزنجي يقال له : أسود مع بياض حدقته وأسنانه.
الثاني : قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عليكم بالسّواد الأعظم» ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الشيطان مع الواحد» ، وهو يدلّ على تخطئة الواحد المنفرد ووجوب اتّباع الأكثر ، ولا نعني بكونه حجّة سوى هذا.
الثالث : الإجماع حجّة على المخالف ، فإن لم يوجد في العصر مخالف لم يتحقّق هذا المعنى.
__________________
(١) ذكر هذه الوجوه والأجوبة عنها أيضا الرازي في المحصول : ٢ / ٨٥ ـ ٨٧.