ثمّ اعترضه بأنّه لم يسوّ بينهما ، لأنّ الأمارة الدالّة على الكون في الدار نقلها من الظن إلى العلم ، وهنا لم ينقل ظن حكم الفرع إلى العلم.
وحكى القاضي عن أبي هاشم المنع من جواز الاخبار. (١)
وقرّره أبو الحسين (٢) بأنّ السائل إن أراد تجويز التعبّد بالأخبار عن ظنّ الكون التزمناه وإلّا كان قبيحا ، لأنّ شرط حسن الخبر صدقه ، أمّا العبادات الشرعية فإنّها تتبع المصالح ، وقد يكون الفعل مصلحة إذا فعلناه ونحن على صفة ما ، ومتى لم يكن عليها لم يكن مصلحة ، والظن يشبه الفرع للأصل صفة.
وعلى الثالث عشر : بعد تسليم وجوب المصالح بجواز كون التعبّد بالقياس مصلحة وقد استأثر الله تعالى بالعلم بها ، وما ذكروه ينتقض بورود التعبّد بالنصوص الظنّية وقبول الشهادة والاجتهاد في القبلة والتقويم وأرش الجنايات وتقدير النفقات.
وعلى الرابع عشر : أنّه مهما لم يقم دليل على وجوب التعبّد بالقياس من نص أو إجماع ، فإنّا لا نثبت به الحكم ولا ننفيه ؛ وإن كان يجوز ورود التعبّد به عقلا ، فإذا قال الشارع : «قد تعبّدتكم بالقياس ، فمهما رأيتم الحكم قد ثبت في صورة وغلب على ظنّكم أنّه ثبت لعلّة ، وأنّها متحقّقة في صورة أخرى ، فقيسوها» كان ذلك إخبارا عن إثبات الحكم في الفرع ؛ وإن لم يرد مثل هذا النصّ ، فانعقاد الاجماع عليه يكون كافيا فيه.
__________________
(١) نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد : ٢ / ٢٠٤.
(٢) المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ٢٠٤.