مِنْهُ خِطاباً) أي لا يقدرون أن يسألوه إلّا فيما رخّص به وأذن للمقرّبين منه تبارك وتعالى. والخطاب هو توجيه الكلام ولذا قال مقاتل معناه : لا يقدر الخلق ان يكلّموا الرّب إلّا بإذنه.
وقرأ الحجازيون (رَبِ) بالرفع ، فقطعوه عن البدليّة من الاسم الأول ، وجعلوه مبتدأ خبره (الرَّحْمنِ) واعتبروا الكلام مستأنفا ، (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) أي يقفون مصطفّين في ذلك اليوم قائمين بأمر الله منتظرين ما يصدر عنه عزّ وعلا. أما (الرُّوحُ) فقيل هو خلق من خلقه سبحانه ، وتعالى ، يشبه بني آدم وليسوا منهم ، يقومون يوم القيامة صفّا في مقابل صفّ الملائكة. وقال مقاتل ومجاهد وغيرهما : (صَفًّا) هما سماطا ربّ العالمين يوم القيامة ، أي هما صفّان : واحد من الملائكة ، وواحد من الروح. وقيل إن الروح واحد من الملائكة لم يخلق الله تعالى أعظم منه يكون هو وحده صفّا يوازي صفّ الملائكة أجمعين. ثم قيل إنه عنى النوع أي أن أرواح الناس تقوم مع الملائكة بين النفختين ، بل قيل هو جبرائيل عليهالسلام ، والجميع يقفون بين يدي الربّ منكّسة رؤوسهم من رهبة الموقف ، فإذا أذن الله للملائكة بالكلام قالوا : لا إله إلّا أنت. فهم (لا يَتَكَلَّمُونَ) بشيء (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) أي رخّص له ، وهم الملائكة والمؤمنون (وَقالَ صَواباً) أي قال في الدنيا بالتوحيد ، وقيل إن (القول) هنا الشفاعة فهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضى. وفي المجمع عن الصادق عليهالسلام أنه سئل عن هذه الآية فقال : نحن والله المأذون لهم يوم القيامة والقائلون ، نمجّد ربّنا ونصلّي على نبيّنا صلىاللهعليهوآله ونشفع لشيعتنا فلا يردّنا ربّنا (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) أي اليوم الذي لا ريب فيه دلائل (فَمَنْ شاءَ) أراد (اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) أي جعل لنفسه مرجعا صالحا ، فآب : رجع إلى ربّه حين الموت بعمل صالح وطاعة تامّة بعد أن هداه الله بالرّسل ومكنّه من عمل الطاعات. وانتقل سبحانه بعد هذا الترغيب إلى ترهيب الكفّار وتخويفهم بقوله : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ)