أنّ معرفة الإنسان محدودة أو مقرونة بالاخطاء أحياناً.
أَجَل ، لا يمكنهم إنكار وجود «الشهاب» بل إنّ ما يقولونه في هذا المجال هو أنّ الخط النوراني الذي نراه ليس خطاً نورانياً بل نقطةٌ نورانيةٌ ، والتصور الخاطىء هذا نشأ عن خطأٍ في حاسة البصر ، إذ ليس الخطأ في وجود نفس الشهاب بل في تصور خطٍ ممتدٍ ملتهبٍ.
كما أنّ الخطأ ليس في نفس وجود الشارع والأشجار على طرفيه بل الخطأ في أنّ الأشجار كلما ابتعدنا عنها اقتربت من بعضها البعض في أبصارنا ، وكذا الأمر بالنسبة للماء الدافيء ، فليس الخطأ في نفس وجود الماء ودرجة حرارته المعينة ، بل في تمييز درجة الحرارة.
ولكنّا ـ كما سبقت الإشارة ـ لا ندعي إدراكنا لجميع حقائق الوجود ، كما لا ندعي أن معرفتنا منزهة عن أي خطأ ، بل ما نريد إثباته هو إمكانية المعرفة على سبيل القضية الجزئية ، وقد نشأ خطأ أصحاب الرأي القائل بعدم إمكان المعرفة من ادعائهم القاطع الجازم بعد وجود المعرفة.
والملفت للنظر هو أن ما ذكره مخالفو إمكانية المعرفة من أدلة يمكن أن يستخدم كدليل ضدهم ، لأنّهم عندما يبحثون مسألة خطأ الحواس ، فإنّ مفهوم ادعائهم أن هذه الحقيقة اكتشفناها بحواسنا الاخرى أو بطرق عقلية ، فندرك خطأ الحاسة المعيَّنة في ذلك المورد ، وهذا اعتراف صارخ بصحة بعض المعارف.
فعندما نقول مثلاً : إنّ الخط الملتهب الممتد الذي نراه عند ظهور الشهاب في السماء خطأٌ ، فذلك بسبب إنا لاحظنا بحواسنا الاخرى إنَّ الشهاب قطعة حجر تحترق عند وصولها إلى الأرض وذلك لسرعتها واحتكاكها بطبقة الهواء ، وعندما تبدو لنا كالنقطة النيرة ، وبما أنّها تتحرك بسرعة هائلة فتخطأ العين في التمييز ونراه خطاً ممتداً وملتهباً ، مستقيماً منحنياً.
كذلك الأمر بالنسبة للخطين المتوازيين عندما نراهما متقاطعين من بعيد ، بينما رأيناهما من قريب متوازيين فعند مقارنة المعلومات التي حصلنا عليها من بعيد ومن قريب نعترف بخطأ أبصارنا من بعيد.