هذه الأيام الكثيرة ولم يتعب ، ولم ينم ، ولم يأكل ، ولم يشرب! إنه لربّنا الذي يجب علينا أن نعبده. وقال قوم : إن سليمان ساحر ، وإنه ليرينا أنه واقف متكئ على عصاه فيسحر أعيننا ، وليس كذلك. وقال المؤمنون : إن سليمان هو عبد الله ونبيه ، يدبّر الله أمره بما شاء.
فلما اختلفوا بعث الله عزوجل الأرضة فدبّت في عصا سليمان ، فلما أكلت جوفها انكسرت العصا ، وخر سليمان من قصره على وجهه ، فشكرت الجنّ الأرضة على صنيعها ، فلأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان إلا وعندها ماء وطين ، وذلك قول الله عزوجل : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) يعني عصاه (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ).
ثم قال الصادق عليهالسلام : «وما نزلت هذه الآية هكذا ، وإنما نزلت : فلمّا خرّ تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين» (١).
وقال أبو جعفر عليهالسلام : «أمر سليمان بن داود الجن فصنعوا له قبة من قوارير ، فبينما هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجنّ كيف يعملون ، وهم ينظرون إليه ، إذ حانت منها التفاتة ، فإذا رجل معه في القبّة ، قال : من أنت؟ قال أنا الذي لا أقبل الرّشا ، ولا أهاب الملوك ، أنا ملك الموت. فقبضه وهو قائم متكئ على عصاه في القبة ، والجنّ ينظرون إليه ـ قال ـ فمكثوا سنة يدأبون له حتى بعث الله عزوجل الأرضة ، فأكلت منسأته ، وهي العصا (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ).
__________________
(١) عين أخبار الرضا عليهالسلام : ج ١ ، ص ٢٦٥ ، ح ٢٤ ، علل الشرائع : ص ٧٣ ، ح ٢.