وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) يا حسن ، بلغني أنك أفتيت الناس ، فقلت : هي مكة؟».
وقال أبو جعفر عليهالسلام : «فهل يقطع على من حج مكة ، وهل يخاف أهل مكة ، وهل تذهب أموالهم؟». قال : بلى. قال : «فمتى يكونون آمنين؟ بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن ، فنحن القرى التي بارك الله فيها ، وذلك قول الله عزوجل. فمن أقرّ بفضلنا حيث أمرهم الله أن يأتونا ، فقال : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) أي جعلنا بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها (قُرىً ظاهِرَةً) ، والقرى الظاهرة : الرسل ، والنقلة عنا إلى شيعتنا ، وفقهاء شيعتنا إلى شيعتنا.
وقوله تعالى : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) فالسير مثل للعلم (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً) ، مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنا إليهم في الحلال ، والحرام ، والفرائض ، والأحكام (آمِنِينَ) فيها إذا أخذوا من معدنها الذي أمروا أن يأخذوا منه ، آمنين من الشكّ والضلال ، والنقلة من الحرام إلى الحلال لأنهم أخذوا العلم ممن وجبلهم أخذهم إياه عنهم بالمعرفة ، لأنهم أهل ميراث العلم من آدم إلى حيث انتهوا ، ذرية مصطفاة بعضها من بعض ، فلم ينته الاصطفاء إليكم ، بل إلينا انتهى ، ونحن تلك الذرية المصطفاة ، لا أنت ، ولا أشباهك ، يا حسن. فلو قلت لك حين ادّعيت ما ليس لك ، وليس إليك : يا جاهل أهل البصرة ، لم أقل فيك إلا ما علمته منك ، وظهر لي عنك ، وإياك أن تقول بالتفويض ، فإن الله عزوجل لم يفوّض الأمر إلى خلقه وهنا منه وضعفا ، ولا أجبرهم على معاصيه ظلما» (١).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام في حديث في معنى الآية : «يا أبا بكر (سِيرُوا
__________________
(١) الاحتجاج : ص ٣٢٧.