وكان لقمان يعظ ابنه بآثار حتى تفطر وانشق ، وكان فيما وعظه أنه قال : يا بني ، مذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد.
يا بني ، لا خير في الكلام إلا بذكر الله تعالى ، وإن صاحب السكوت تعلوه السّكينة والوقار.
يا بني جالس العلماء ، فلو وضع الله العلم في قلب كلب لأعزّه الله وأحبه. يا بني ، جالس العلماء ، وزاحمهم بركبتك ، ولا تجادلهم فيمقتوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ، ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضرّ بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صوما يمنعك ويضعفك عن الصلاة ، فإنّ الصلاة أحب إلى الله من الصيام ، والصلاة أفضل الأعمال.
يا بني ، إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الإيمان ، واجعل شراعها التوكّل ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك.
يا بني ، إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا ، ومن عني بالأدب اهتم به ، ومن اهتم به تكلف عمله ، ومن تكلف عمله اشتد طلبه ، ومن اشتد طلبه أدرك منفعته ، فاتخذه عادة ، فإنك تخلف به من سلفك ، وتنفع به خلفك ، ويرتجيك فيه راغب ، ويخشى صولتك راهب ، وإيّاك والكسل عن العلم والطلب لغيره ، فإن غلبت على الدنيا فلا تغلب على الآخرة.
يا بني ، من أدرك العلم ، فأي شيء فاته؟ ومن فاته العلم فأي شيء أدرك؟ يا بني ، إذا فاتك طلب العلم فإنك لم تجد له تضييعا أشد من تركه ، ولا تمارينّ فيه لجوجا ، ولا تجادلن فقيها ، ولا تعادين سلطانا ، ولا تماشين