تضييعها لما أمر الله عزوجل به ، وفرضه عليها : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ، فهذا أيضا مما فرض الله على اليدين وعلى الرجلين ، وهو عملهما ، وهو من الإيمان» (١).
وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) ـ إلى قوله تعالى ـ (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ، قال : إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه ، فينظرون فيه ، فينكرون أنهم عملوا من ذلك شيئا ، فتشهد عليهم الملائكة ، فيقولون : يا ربّ ، ملائكتك يشهدون لك. ثم يحلفون أنهم لم يفعلوا من ذلك شيئا ، وهو قوله : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ)(٢) فإذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم ، وتنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون.
قوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) ، يقول : كيف يبصرون (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) يعني في الدنيا (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ). وقوله : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) ، فإنه ردّ على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد ، ويقولون : إن الرجل إذا نكح المرأة وصارت النطفة في رحمها تلقته الأشكال من الغذاء ، ودار عليه الفلك ، ومرّ عليه الليل والنهار ، فيتولد الإنسان بالطبائع من الغذاء ومرور الليل والنهار ؛ فنقض الله عليهم قولهم في حرف واحد ، فقال : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ).
قال : لو كان هذا كما يقولون لكان ينبغي أن يزيد الإنسان أبدا ، ما دامت الأشكال قائمة ، والليل والنهار قائمين ، والفلك يدور ، فكيف صار يرجع إلى النقصان ، كلما ازداد في الكبر ، إلى حد الطفولية ، ونقصان السمع ،
__________________
(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٨ ، ح ١.
(٢) المجادلة : ١٨.