الخلائق ، أنصتوا واسمعوا منادي الجبار. قال : فيسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم ، قال : فتنكسر أصواتهم عند ذلك ، وتخشع قلوبهم ـ وقيل أبصارهم ـ ، وتضطرب فرائصهم ، وتفزع قلوبهم ، ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت ، مهطعين إلى الداعي ، قال : فعند ذلك يقول الكافر : هذا يوم عسر ، فيشرف الجبار عزّ ذكره الحكم العدل عليهم فيقول : أنا الله لا إله إلا أنا الحكم العدل الذي لا يجور ، اليوم أحكم بينكم بعدلي وقسطي ، لا يظلم اليوم عندي أحد ، اليوم آخذ للضعيف من القوي بحقه ، ولصاحب المظلمة بالمظلمة ، بالقصاص من الحسنات والسيئات ، وأثيب على الهبات ، ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ، ولا من لأحد عنده مظلمة ، إلا مظلمة يهبها صاحبها ، وأثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب ، فتلازموا أيها الخلائق ، واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا ، وأنا شاهدكم عليها ، وكفى بي شهيدا. قال : فيتعارفون ويتلازمون ، فلا يبقى أحد له عند أحد مظلمة أو حق إلا لزمه بها.
قال : فيمكثون ما شاء الله ، فيشتدّ حالهم ، ويكثر عرقهم ، ويشتد غمّهم ، وترتفع أصواتهم بضجيج شديد ، فيتمنّون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها ، قال : ويطّلع الله عزوجل على جهدهم ، فينادي مناد من عند الله تبارك وتعالى ، يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم ، يا معشر الخلائق ، أنصتوا لداعي الله تبارك وتعالى واسمعوا ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول لكم : أنا الوهّاب ، إن أحببتم أن تواهبوا فتواهبوا ، وإن لم تواهبوا أخذت لكم بمظالمكم ؛ قال : فيفرحون بذلك لشدّة جهدهم ، وضيق مسلكهم وتزاحمهم ، قال : فيهب بعضهم مظالمهم رجاء أن يتخلّصوا مما هم فيه ، ويبقى بعضهم ، فيقول : يا رب مظالمنا أعظم من أن نهبها ؛ قال : فينادي مناد من تلقاء العرش : أين رضوان خازن الجنان ، جنان الفردوس ، قال : فيأمره عزوجل أن يطلع من الفردوس قصرا من فضّة بما فيه من الأبنية والخدم ، قال : فيطلعه