وهو شدة الفتل ثم نقل إلى معنى القدرة ، كما نقل (اسْتَكْبَرَ) عن كبر الجثة إلى كبر الشأن ، والأثر حدث يظهر به أمر ، ومنه الآثار التي هي الأحاديث عمن تقدم بما تقدم بها من أحوالهم وطرائقهم في أمر الدنيا والدين. وقوله (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) ومعناه فأهلكهم الله جزاء على معاصيهم (وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) في دفع العذاب عنهم ومنعهم من نزوله بهم. ثم بين تعالى أنه إنما فعل بهم ذلك لأنهم جاءتهم (رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) يعني بالمعجزات الظاهرات والدلالات الواضحات فكذبوهم وجحدوا رسالتهم فاستحقوا العذاب (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) بذنوبهم أي أهلكهم الله جزاء على معاصيهم (إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) أي قادر شديد عقابه. ثم ذكر قصة موسى عليهالسلام فقال (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) أي بعثناه بحججنا وأدلتنا (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي حجة ظاهرة نحو قلب العصى حية وفلق البحر وغير ذلك (إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ) يعني موسى. ثم قال تعالى (فَلَمَّا جاءَهُمْ) يعني موسى عليهالسلام (بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا) يعني فرعون وهامان وقارون (اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا) بموسى ومن معه (وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) أي استبقوهم ، قال قتادة : كان هذا الأمر بقتل الأبناء والاستحياء للنساء أمرا من فرعون بعد الأمر الأول. وقيل استحياء نسائهم للمهنة. وقيل : معناه استحيوا نساءهم وقتلوا الأبناء ليصدوهم بذلك عن أتباعه ويقطعوا عنه من يعلونه ، وإنما ذكر قصة موسى ليصبر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم على قومه كما صبر موسى قبله. ثم أخبر تعالى أن ما فعله من قتل الرجال واستحياء النساء لم ينفعه وإن كيده ، وكيد الكافرين لا يكون إلا في ضلال عن الحق (١).
__________________
(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٦٧ وص ٦٨.