ففي الشتاء يرسل الله الرياح والأمطار والأنداء والطلول من السماء فيسقي الأرض والشجر ، وهو وقت بارد ، ثم يجيء بعده الربيع وهو وقت معتدل حار وبارد ، فيخرج الشجر ثماره ، والأرض نباتها ، فيكون أخضر ضعيفا ثم يجيء من بعده وقت الصيف [وهو حار] ، فينضج الثمار ، ويصلب الحبوب التي هي أقوات العباد وجميع الحيوان ، ثم يجيء من بعده وقت الخريف فيطيبه ويبرده ، ولو كان الوقت كله شيئا واحدا ، لم يخرج النبات من الأرض ، لأن الوقت لو كان كله ربيعا لم تنضج الثمار ولم تبلغ الحبوب ، ولو كان الوقت كله خريفا ، ولم يتقدمه شيء من هذه الأوقات ، لم يكن شيء يتقوّت به العالم ، فجعل الله هذه الأقوات في هذه الأربعة أوقات : في الشتاء والربيع والصيف والخريف ، وقام به العالم واستوى وبقي ، وسمى [الله] هذه الأوقات أياما سواء للسائلين. يعني المحتاجين ، لأن كل محتاج سائل ، وفي العالم من خلق الله من لا يسأل ولا يقدر عليه من الحيوان كثير ، فهم سائلون ، وإن لم يسألوا.
وقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أي دبر وخلق وقد سئل أبو الحسن الرضا عليهالسلام عمن كلم الله لا من الجن ولا من الإنس ، فقال : «السماوات والأرض ، في قوله تعالى : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ).
(فَقَضاهُنَ) أي خلقهن (سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) يعني في وقتين ابتداء وانقضاء (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) فهذا وحي تقدير وتدبير (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) يعني بالنّجوم (وَحِفْظاً) يعني من الشياطين أن تخرق السماء (١).
ثم قال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) يا محمد (فَقُلْ
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٢.