الذي كان يعدنا محمد كان باطلا كله. وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر أصحابه أن يحرسوا المدينة بالليل ، وكان أمير المؤمنين عليهالسلام على العسكر كلّه بالليل يحرسهم ، فإن تحرّك أحد من قريش بارزهم ، وكان أمير المؤمنين عليهالسلام يجوز الخندق ، ويصير إلى قرب قريش حيث يراهم ، فلا يزال الليل كلّه قائما وحده يصلي ، فإذا أصبح رجع إلى مركزه ، ومسجد أمير المؤمنين عليهالسلام هناك معروف ، يأتيه من يعرفه فيصلي فيه ، وهو من مسجد الفتح إلى العقيق أكثر من غلوة (١) النشاب.
فلما رأى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلى مسجد الفتح ، وهو الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم ، وناجاه فيما وعده ، وكان مما دعاه أن قال : «يا صريخ المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، ويا كاشف الكرب العظيم ، أنت مولاي ووليي وولي آبائي الأولين ، اكشف عنا غمنا وهمنا وكربنا ، واكشف عنا شر هؤلاء القوم بقوّتك ، وحولك ، وقدرتك». فنزل عليه جبرئيل عليهالسلام ، فقال : «يا محمد ، إن الله قد سمع مقالتك ، وأجاب دعوتك ، وأمر الدّبور ـ وهي الريح ـ مع الملائكة أن تهزم قريشا والأحزاب».
وبعث الله على قريش الدّبور ، فانهزموا ، وقلعت أخبيتهم ، فنزل جبرئيل عليهالسلام ، فأخبره بذلك ، فنادى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حذيفة بن اليمان ، وكان قريبا منه ، فلم يجبه ، ثم ناداه ثانيا فلم يجبه ، ثم ناداه الثالثة ، فقال : لبيك يا رسول الله. قال : «أدعوك فلا تجيبني؟» قال : يا رسول الله ـ بأبي أنت وأمي ـ من الخوف ، والبرد ، والجوع. فقال : «ادخل في القوم ، وائتني بأخبارهم ، ولا تحدثن حدثا حتى ترجع إليّ ، فإن الله قد أخبرني أنه قد أرسل الرياح على
__________________
(١) الغلوة : قدر رمية بسهم. «لسان العرب ـ غلا ـ ج ١٥ ، ص ١٣٢».