ومهما يكن ، فقد كان قوم تبع يشكلون مجتمعا قويا في عدته وعدده ، ولهم حكومتهم الواسعة المترامية الأطراف. وهذه الآيات تواصل البحث حول مشركي مكة وعنادهم وإنكارهم للمعاد ـ فتهدد أولئك المشركين من خلال الإشارة إلى قصة قوم تبع ، بأن ما ينتظركم ليس العذاب الإلهي في القيامة وحسب ، بل سوف تلاقون في هذه الدنيا أيضا مصيرا كمصير قوم تبع المجرمين الكافرين ، فتقول : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ).
من المعلوم أن سكان الحجاز كانوا مطلعين على قصة قوم تبع الذين كانوا يعيشون في جوارهم ، ولذلك لم تفصل الآية كثيرا في أحوالهم ، بل اكتفت بالقول : أن احذروا أن تلاقوا نفس المصير الذي لاقاه أولئك الأقوام الآخرون الذين كانوا يعيشون قربكم وحواليكم ، وفي مسيركم إلى الشام ، وفي أرض مصر. فعلى فرض أن بإمكانكم إنكار القيامة ، فهل تستطيعون أن تنكروا العذاب الذي نزل بساحة هؤلاء القوم المجرمين العاصين؟
والمراد من (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أمثال قوم نوح وعاد وثمود.
وسنبحث المراد من قوم تبع ، في ما يأتي ، إن شاء الله تعالى.
ثم تعود الآية التي بعدها إلى مسألة المعاد مرة أخرى ، وتثبت هذه الحقيقة باستدلال رائع ، فتقول : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ).
نعم ، فإن لهذا الخلق العظيم الواسع هدفا ، فإذا كان الموت بزعمكم خط نهاية الحياة ، بعد أيام تمضي من المأكل والمشرب والمنام وقضاء الشهوات الحيوانية ، وبعد ذلك ينتهي كل شيء بالموت ، فسيكون هذا الخلق لعبا ولهوا وعبثا ، لا فائدة من ورائه ولا هدف.