فلما كان في اليوم الثاني نزل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الحديبية وهي على طرف الحرم ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يستنفر الأعراب في طريقه معه ، فلم يتبعه أحد ، يقولون : أيطمع محمد وأصحابه أن يدخلوا الحرم وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم ، أنه لا يرجع محمد وأصحابه إلى المدينة أبدا.
فلما نزل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الحديبية خرجت قريش يحلفون باللات والعزى لا يدعون محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم يدخل مكة وفيهم عين تطرف ، فبعث إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أني لم آت لحرب ، ولكن جئت لأقضي نسكي وأنحر بدني وأخلي بينكم وبين لحماتها.
فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي ، وكان عاقلا أريبا (١) ، وهو الذي أنزل الله فيه : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)(٢) ، فلما أقبل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عظّم ذلك ، وقال : يا محمد ، تركت القوم ، وقد ضربوا الأبنية ، وأخرجوا العوذ (٣) المطافيل ، يحلفون باللات والعزى لا يدعوك تدخل مكة ـ فإن مكة حرمهم ـ وفيهم عين تطرف ، أفتريد أن تبيد أهلك ، وقومك ، يا محمد؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما جئت لحرب ، وإنما جئت لأقضي نسكي ، وأنحر بدني ، وأخلي بينكم وبين لحماتها. فقال عروة : بالله ما رأيت كاليوم أحدا صد كما صددت. فرجع إلى قريش فأخبرهم ، فقالت قريش : والله لئن دخل محمد مكة وتسامعت به العرب لنذلنّ ولتجترين علينا العرب.
فبعثوا حفص بن الأحنف وسهيل بن عمرو ، فلما نظر إليهما رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ويح قريش ، قد نهكتهم الحرب ، ألا خلوا بيني وبين العرب ،
__________________
(١) وقيل : لبيبا والأريب : ذو الدهاء والفطنة.
(٢) الزخرف : ٣١.
(٣) العوذ : الحديثة النتاج من الإبل والخيل.