ربك إنك ستلدين غلاما ، فلا تشكي فيه. (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) بخفايا الأمور (قالَ) إبراهيم عليهالسلام لهم (فَما خَطْبُكُمْ) أي فما شأنكم ، ولأي أمر جئتم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) وكأنه قال : قد جئتم لأمر عظيم ، فما هو. (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) أي عاصين الله ، كافرين لنعمه ، استحقوا العذاب والهلاك. وأصل الجرم القطع. فالمجرم : القاطع للواجب بالباطل ، فهؤلاء أجرموا بأن قطعوا الإيمان بالكفر. (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) هذا مفسر في سورة هود (لِلْمُسْرِفِينَ) أي للمكثرين من المعاصي المتجاوزين الحد فيها. وقيل : أرسلت الحجارة على الغائبين ، وقلبت القرية بالحاضرين. (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) أي في قرى قوم لوط (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وذلك قوله (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) الآية. وذلك أن الله تعالى أمر لوطا بأن يخرج هو ومن معه من المؤمنين ، لئلا يصيبهم العذاب. (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي غير أهل بيت من المسلمين ، يعني لوطا وبنتيه. وصفهم الله بالإيمان والإسلام جميعا ، لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم. والإيمان هو التصديق بجميع ما أوجب الله التصديق به. والإسلام هو الاستسلام لوجوب عمل الفرض الذي أوجبه الله وألزمه. ووجدان الضالة هو إدراكها بعد طلبها. (وَتَرَكْنا فِيها) أي وأبقينا في مدينة قوم لوط (آيَةً) أي علامة (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي تدلهم على أن الله أهلكهم ، فيخافون مثل عذابهم. والترك في الأصل ضد الفعل ، ينافي الأخذ في محل قدرة عليه ، والقدرة عليه قدرة على الأخذ. وعلى هذا فالترك غير داخل في أفعال الله تعالى. فالمعنى هنا : إنّا أبقينا فيها عبرة ، ومثله قوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) وقيل : إنه الانقلاب لأن اقتلاع البلدان لا يقدر عليه إلا الله تعالى (١).
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٦٢ ، ومن أراد روايات عن أهل البيت عليهمالسلام في هذه القصة فليراجع سورة هود الآيات (٦٩ ـ ٧٦).