يَشْتَهُونَ) أي وأعطيناهم وأمددناهم بلحم من الجنس الذي يشتهونه (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً) أي : يتعاطون كأس الخمر ، ثم وصف الكأس فقال : (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) أي لا يجري بينهم باطل ، لأن اللغو ما يلغى ، ولا ما فيه إثم ، كما يجري في الدنيا بين شرب الخمر والتأثيم : تفعيل من الإثم ، يقال : أثمه إذا جعله ذا إثم ، يعني : إن تلك الكأس لا تجعلهم آثمين. وقيل : معناه لا يتسابون عليها ، ولا يؤثم بعضهم بعضا. (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) للخدمة (غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) في الحسن والصباحة ، والصفاء والبياض ، والمكنون المصون المخزون. وقيل : إنه ليس على الغلمان مشقة في خدمة أهل الجنة ، بل لهم في ذلك اللذة والسرور ، إذ ليست تلك الدار دار محنة. وذكر عن الحسن أنه قال : قيل يا رسول الله! الخادم كاللؤلؤ فكيف المخدوم؟ فقال : «والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) أي يتذاكرون ما كانوا فيه من التعب والخوف في الدنيا. وهو قوله : (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) أي خائفين في دار الدنيا من العذاب (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) أي عذاب جهنم ، والسموم من أسماء جهنم. وقيل إن المعنى : يسأل بعضهم بعضا عما فعلوه في الدنيا ، فاستحقوا به المصير إلى الثواب ، والكون في الجنان ، فيقولون : إنا كنا في دار التكليف مشفقين ، أي خائفين رقيقي القلب. فإن الإشفاق رقة القلب عما يكون من الخوف على الشيء. والشفقة : نقيض الغلظة ، وأصله الضعف من قولهم ثوب شفق أي : ضعيف النسج. ومنه الشفق للحمرة عند غروب الشمس ، لأنها حمرة ضعيفة. وقوله (فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) يريد : فيمن يختص به ممن هو أولى بنا. والأهل هو المختص بغيره من جهة ما هو أولى به. والسموم : الحر الذي يدخل في مسام البدن يتألم به. وأصله من السم الذي هو مخرج النفس ، فكل خرق