عبادة الأصنام والملائكة إلى مشيئة الله ، قال : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) وهو استفهام بمعنى التقرير لهم على خطئهم ، والتقدير : أهذا الذي ذكروه شيء تخرصوه وافتعلوه ، أم آتيناهم كتابا. (مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) أي مستمسكون بذلك. فإذا لم يمكنهم ادعاء أن الله تعالى أنزل بذلك كتابا ، علم أن ذلك من تخرصهم ، ودل أم على حذف حرف الاستفهام ، لأنه المعادل له. ثم أعلم أنهم اتبعوا آباءهم في الضلالة فقال : ليس الأمر كذلك (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) أي على ملة وطريقة. وقيل : على جماعة ، أي كانوا مجتمعين موافقين على ما نحن عليه (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) نهتدي بهداهم. ثم قال سبحانه : (وَكَذلِكَ) أي ومثل ما قال هؤلاء في الحوالة على تقليد آبائهم في الكفر (ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (فِي قَرْيَةٍ) ومجمع من الناس (مِنْ نَذِيرٍ) أي نذيرا ، لأن (مِنْ) زائدة. (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) وهم المتنعمون الذين آثروا الترفه على طلب الحجة ، يريد الرؤساء (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) نقتدي بهم ، فلا نخالفهم. وأحال جميعهم على التقليد للآباء فحسب ، دون الحجة والتقليد قبيح في العقول ، إذ لو كان جائزا لكان يلزم في ذلك أن يكون الحق في الشيء ونقيضه ، فكل فريق يقلد أسلافه مع أن كلا منهم يعتقد أن من سواه على خطأ وضلال ، وهذا باطل لا شبهة في بطلانه. فإذا لا بد من الرجوع إلى حجة عقلية أو سمعية. ثم قال سبحانه للنذير : (قالَ) لهم (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) تتبعون ما وجدتم عليه آباءكم ، ولا تقبلون ما جئتكم به. وفي هذا أحسن التلطف في الاستدعاء إلى الحق ، وهو أنه لو كان ما يدعونه حقا وهدى ، وكان ما جئتكم به من الحق أهدى منه ، كان أوجب أن يتبع ويرجع إليه.
ثم أخبر أنهم أبوا أن يقبلوا ذلك و (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أيها الرسل (كافِرُونَ). ثم ذكر سبحانه ما فعل بهم ، فقال : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) بأن