أساورة من ذهب ، إعظاما للذهب وجمعه ، واحتقارا للصوف ولبسه ، ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن فتح لهم كنوز الذهبان ، ومعادن العقيان ، ومغارس الجنان ، وأن يحشر معهم طيور السماء ووحوش الأرض لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء (١).
فقالت الآية الأولى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ).
المراد من الآيات : المعجزات التي كانت لدى موسى ، والتي كان يثبت حقانيته بواسطتها ، وكان أهمها العصا واليد البيضاء. الملاء ، من مادة الملأ ، أي القوم أو الجماعة الذين يتبعون هدفا واحدا ، وظاهرهم يملأ العيون لكثرتهم ، وقرآنيا فإن هذه الكلمة تعني الأشراف والأثرياء أو رجال البلاط عادة.
والتأكيد على صفة : (رَبِّ الْعالَمِينَ) هو في الحقيقة من قبيل بيان مدعى مقترن بالدليل ، لأن من هو ربّ العالمين ومالكهم ومعلمهم هو الذي له أهلية العبودية ، لا المخلوقات الضعيفة المحتاجة كالفراعنة والأصنام!
ولنر الآن ماذا كان أول تعامل لفرعون وآل فرعون مع الأدلة المنطقية والمعجزات البينة لموسى عليهالسلام؟
يقول القرآن الكريم في الآية التالية : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) وهذا الموقف هو الموقف الأول لكل الطواغيت والجهال المستكبرين أمام القادة الحقيقيين ، إذ لا يأخذون دعوتهم وأدلتهم بجدية ليبحثوا فيها ويصلوا إلى الحقيقة ، ثم يجيبونهم بسخرية واستهزاء ليفهموا الآخرين أن دعوة هؤلاء لا تستحق البحث والتحقيق والإجابة أصلا ، وليست
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢ الخطبة القاصعة.