علامة للتعرف على الحقيقة لمن يريد الوقوف على اللغة هو الاطّراد غير انّ المشهور لم يعيروا أهمية لهذه العلامة حتى أنّ البعض ترك البحث فيها ، غير أنّ المتتبع لاستعمالات اللغة يجد أنّ الاسلوب الوحيد للتعرّف على معاني الألفاظ هو الاطّراد.
توضيح ذلك : انّ الجاهل باللغة إذا أراد أن يعرف معاني اللغات الأجنبية من أهل اللسان ليس له طريق إلاّ الاستماع لمحاضرات أهل اللغة في مقامات مختلفة ، فإذا رأى أنّ لفظاً خاصاً تستعمله طوائف مختلفة مع ثقافات متنوعة بحيثية واحدة في معنى واحد ينتقل إلى أنّه هو الموضوع له وانّ الاستعمال خال عن القرينة ، مثلاً : رأى أنّ الفقيه يقول : الماء طاهر ومطهّر ، أو قليل أو كثير ، ويقول الكيميائي : الماء مركب من عنصرين أوكسيجين وهيدروجين ، ويقول الفيزيائي : الماء لا لون له ، والكل يستعمل ذلك اللفظ في مورد خاص بحيثية واحدة وهو المايع السيال ، وبما انّ المستعملين ذوو ثقافات مختلفة فمن البعيد أن يكون بينهم اتفاق على الاستعمال ، فإذاً ينتقل الإنسان إلى أنّ الماء في لغة العرب موضوع للجسم الرطب السيال ، فالفقيه العربي كالكيمياوي العربي مثل الفيزياوي كلّ يطلق ذلك اللفظ على هذا المعنى بما هو من أبناء تلك اللغة لا بما هو فقيه أو كيمياوي أو فيزياوي.
وبذلك يعلم أنّ طريق اقتناص معاني اللغة الأجنبية إنّما هو الاطّراد ، فلنفترض انّا لا نعلم معنى الغنيمة الواردة في قوله سبحانه : ( وَاعْلَمُوا انّما غَنِمْتُم من شَيْء فأَنّ للّهِ خُمُسَه ) (١) حيث إنّ معناها مردد بين غنيمة الحرب أو مطلق ما يفوز به الإنسان ، فالسنّة على الأوّل ، والشيعة على الثاني ، ومن الطرق الموضحة
__________________
١ ـ الأنفال : ٤١.