ويمكن أن يقال انّ ما ذكره إنّما يتم إذا كان الواضع واحداً فيصدّه الاخلال عن الوضع الثاني دونما إذا كان متعدداً.
ثمّ إنّ صاحب المحاضرات استدلّ على امتناع الاشتراك بأنّ الوضع الثاني يستلزم نقض الوضع الأوّل ، لأنّ الوضع ليس بمعنى جعل الملازمة بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له ، أو جعله وجوداً تنزيلياً للمعنى ، بل بمعنى تعهد الواضع في نفسه بأنّه متى تكلّم بلفظ مخصوص لا يريد منه إلاّ تفهيم معنى خاص ، ومن المعلوم أنّ هذا التعهد لا يجتمع مع تعهده ثانياً بأنّه متى تكلّم بذلك اللفظ لا يقصد إلاّ تفهيم معنى آخر مبايناً للأوّل ، ضرورة أنّه بذلك نقض ما تعهده أوّلاً.
وإن شئت قلت : إنّ الوضع عبارة عن التعهد المجرّد عن الإتيان بأيّة قرينة ، وهذا غير متحقّق في الاشتراك اللفظي. (١)
يلاحظ عليه : أنّه إنّما يصحّ إذا كان الواضع واحداً ، وأمّا إذا كان متعدداً فلا ، وسيوافيك أنّ الاشتراك اللفظي مستند إلى تباعد القبائل العربية بعضهم عن بعض.
ثمّ إنّ هناك من زعم وجوب الاشتراك قائلاً : بأنّ الألفاظ والتراكيب المؤلّفة منها متناهية ، والمعاني غير متناهية والحاجة ماسّة إلى تفهيم المعاني بالألفاظ ولا يتم ذلك إلاّ بالاشتراك.
وأجاب عنه في « الكفاية » : بأنّ المعاني إذا كانت غير متناهية فلا يمكن الوضع لها لا بالاشتراك ولا بغيره ، لاستلزامه الأوضاع غير المتناهية من الإنسان المتناهي.
__________________
١ ـ المحاضرات : ١ / ٢١٣.