وثانياً : انّ ابتناء الفرق بين المبدأ والمشتق على هذا التقرير الوارد عن الحكماء في دراسة عالم الكون من غير نظر إلى عالم الألفاظ ابتناء غير صحيح ، فانّ معاني الألفاظ إنّما تؤخذ من الإمعان فيما يتبادر منها عند أهل اللسان لا ممّا حقّقه الحكماء عند دراسة صحيفة الكون الذي لا صلة له بعالم الألفاظ فإنّ ما ذكروه في الفرق بين العرض والعرضي يرجع إلى دراساتهم صحيفة الكون ، يقول الحكيم السبزواري :
وعرضي الشيء غير العرض |
|
ذاك البياض ذاك مثل الأبيض |
الثاني : ما نقله الحكيم السبزواري في تعاليقه على الأسفار من انّا إذا رأينا شيئاً أبيض ، فالمرئي بالذات هو البياض ، ونحن قبل ملاحظة أنّ البياض عرض والعرض لا يوجد قائماً بنفسه ، نحكم بأنّه بياض وأبيض ، ولولا الاتّحاد بالذات بين البياض والأبيض لما حكم العقل بذلك في هذه المرتبة ، ولم يجوِّز قبل ملاحظة هذه المقدمات ، كونه أبيض ، لكن الأمر بخلاف ذلك.
يلاحظ عليه : بأنّا وإن نحكم عند رؤية البياض ـ قبل ملاحظة أنّه عرض وانّ العرض لا يوجد قائماً بنفسه ـ بأنّه أبيض ، والملاحظة التفصيلية وإن كانت غير موجودة عند الرؤية ، لكن الملاحظة الإجمالية موجودة ارتكازاً ، لأنّ الإنسان طيلة حياته يشاهد أنّ البياض لا يوجد إلاّ مع موضوعه ، فهو مع هذا العلم الموجود في خزانة ذهنه إذا رأى البياض ، وحمل عليه الأبيض ، فإنّما حمل على البياض الذي لا يفارق الموضوع ، فلا يدلّ ذاك الحمل على خروج الذات والنسبة عن مفهومه.
الثالث : أنّ المعلّم الأوّل ومترجمي كلامه عبروا عن المقولات بالمشتقات ، ومثلوا لها بها فعبّروا عن الكيف بالمتكيف ومثلوا لها بالحار والبارد ، فلولا الاتحاد