الفتوى الثانية فلا شكّ أنّها حجّة بالنسبة إلى الحوادث التالية : وأمّا الحوادث السابقة فنشكّ في حجّيتها بالنسبة إليها فيؤخذ بالاستصحاب من دون معارض.
وبالجملة : فالقدر المتيقّن في قوله : « وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا » أو ما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة هو حجّية قول الفقيه بالنسبة إلى ما يأتي من الحوادث ، وأمّا بالنسبة إلى السابق فلا إطلاق في الأدلّة.
ثمّ إنّ المحقّق الخوئي ممّن ذهب إلى لزوم تطبيق العمل على الاجتهاد الثاني من غير فرق بين ما مضى وما يأتي واستدلّ على ذلك بالوجه التالي :
أنّ قيام الحجّة الثانية وإن كان لا يستكشف به عن عدم حجّية الاجتهاد الأوّل ـ مثلاً ـ في ظرفه إلاّ أنّ مقتضاها ثبوت مدلولها في الشريعة المقدّسة من الابتداء لعدم اختصاصه بعصر دون عصر ، إذاً العمل المأتي به على طبق الحجّة السابقة باطل ، لأنّه مقتضى الحجّة الثانية ، ومعه لا بدّ من إعادته أو قضائه.
واحتمال مخالفة الواقع ، وإن كانت تشترك فيه الحجتان ، إلاّ أنّ هذا الاحتمال يلغى في الحجّة الثانية حسب أدلّة اعتبارها ، ولا يلغى في الأُولى ، لسقوطها عن الاعتبار ، ومجرد احتمال المخالفة يكفي في الحكم بالإعادة أو القضاء ، لأنّه لا مؤمِّن معه من العقاب. وحيث إنّ العقل مستقل بلزوم تحصيل المؤمن ، فلا مناص من الحكم بوجوب الاعادة على طبق الحجّة الثانية ، لأنّ بها يندفع احتمال الضرر بمعنى العقاب.
وأمّا القضاء فهو أيضاً كذلك ، لأنّ مقتضى الحجّة الثانية أنّ ما أتى به المكلّف على طبق الحجّة السابقة ، غير مطابق للواقع فلا مناص من الحكم ببطلانه ، ومعه يصدق فوت الفريضةوهو يقتضي وجوب القضاء. (١)
__________________
١ ـ التنقيح ، قسم الاجتهاد والتقليد : ١ / ٥٤.