الشيء بوجودين حسب اختلاف ظروف العمل ، إلاّ أنّ هذا القول يتبنّى أنّ الثواب والعقاب من أفعال النفس فهي بما اكتسبت من العقائد الصحيحة أو الفاسدة وما أتت من الأعمال الحسنة والقبيحة تكتسب استعداداً وملكة خاصة تقدر معها على إنشاء صور مناسبة لتلك الملكة فهي إمّا تتنعّم بالصور أو تتأذّى بها.
وبالجملة : الإنسان في ظل العقائد الصحيحة والفاسدة والأعمال الحسنة والسيئة يكتسب ملكة خاصّة تكون مع الإنسان ، خلاّقة للصور التي تناسبها ، وهذا ليس أمراً بعيداً ، فمن يتملّك ملكة العدالة في هذه النشأة لم يزل يتصوّر أُموراً تناسبها ، ومن يمتلك ملكة الفسق والجور لم يزل يتصوّر صوراً تناسبها ، فنفس هذه الملكة فعّالة في يوم القيامة فتخلق الصور البهية أو الصور الموحشة ، ويعبّر عن الأوّل بالجنة وعن الثاني بالجحيم.
وهذه الآراء الثلاثة لعرفاء الإسلام ، والتسليم بها رهن دراستها صحّة وفساداً في محلّها ، غير أنّ القول الثالث إذا كان بصدد حصر الجنة والجحيم بالصور المخلوقة للنفس فتعارضها الآيات والأخبار القطعية على أنّ الجنة أمر منفصل عن النفس وكذلك الجحيم. ولو لم يكن بصدد الحصر فلا مانع من القول بالجنتين المتصلة بالنفس والمنفصلة عنها ، وإن كان الظاهر من القائل هو الحصر. (١)
إلى هنا تمّت الآراء في كيفية ترتّب الثواب والعقاب. فلندخل في صلب الموضوع وهو :
__________________
١ ـ الأسفار الأربعة : ٩ / ١٣١ ، فصل « في الشقاوة التي بازاء السعادة ».