الثاني : ما استدلّ به السيد الأُستاذ ، فقال : إنّ الاستحقاق إنّما هو على الطاعة ، ولا يعقل ذلك في الأوامر الغيرية ، لأنّها بمعزل عن الباعثية ، لأنّ المكلّف إمّا أن يكون قاصداً لامتثال الأمر النفسي أو لا. فعلى الأوّل فالأمر النفسي داع وباعث إلى الإتيان بالمقدّمة من دون حاجة إلى باعثية الأمر الغيري ، وعلى الثاني فلا يكون الأمر الغيري باعثاً لأنّ المفروض أنّه راغب عن ذي المقدّمة ، فكيف يكون الأمر الغيري باعثاً؟
والحاصل : انّ ملاك الاستحقاق هو الطاعة ، وهي فرع كون أمره داعياً وباعثاً والمفروض انّه ليس بباعث في حالة من الحالات. (١)
يلاحظ عليه : أنّ الأمر النفسي والغيري في الباعثية وعدمها سيّان ، فإن أُريد بها الباعثية التكوينية فليس واحد منهما باعثاً تكوينياً ، بل الباعث إلى الطاعة هو رجاء الثواب والخوف من العقاب.
وإن أُريد الباعثية الإنشائية فكلّ من الأمرين صالح لذلك. وما ذكره من الاستدلال إنّما يتمُّ إذا أُريد من الباعثية ، القسم التكويني منها ، وقد عرفت انتفاءها فيهما معاً.
إلى هنا تبيّن أنّ القول الأّوّل ـ على القول بالاستحقاق ـ غير تام برهاناً.
وأمّا القول الثاني (٢) : وهو التفصيل بين امتثال الأمر الغيري الأصلي وامتثال الأمر الغيري التبعي ، فليس له دليل صالح بعد قيام الدليل على حجية خطابات المولى ، أصلياً كان الخطاب أو تبعياً ، وسيمرّ في باب المفاهيم أنّ دلالة الاقتضاء والإيماء من الدلالات الصالحة للاحتجاج.
__________________
١ ـ تهذيب الأُصول : ١ / ٢٤٩.
٢ ـ مرّ القول الأوّل ، ص ٥١٨.