وأمّا القول الثالث : فهو قول متقن ، وإن كان القول الرابع أتقن منه ، والجامع بين القولين هو أن يكون الباعث لامتثال الأمر الغيري هو قصد التوصّل بالواجب النفسي لكن بشرط أن يكون الامتثال موصلاً لامتثال الأمر النفسي على القول الرابع ، وأمّا إذا خلا عن هذين الأمرين كما إذا امتثل الأمر الغيري لغاية الهوى والهوس لا لقصد التوصّل أو لم يكن في الواقع موصلاً إلى ذيها للانصراف عن الامتثال عمداً فلا يعدّ ممتثلاً حتى يترتّب عليه الثواب ، وهذا أشبه بمن يقوم بتناول الغذاء في السحر دون أن يصوم.
هذه الأقوال كلّها مبنية على القول بالاستحقاق ومع رفض المبنى لايبقى للبناء قيمة ، والحقّ ما اخترناه من أنّ ترتّب الثواب على العمل الصالح من باب التفضّل ، وعند ذلك لا طريق لترتّبه وعدمه إلاّ الرجوع إلى النقل من القرآن الكريم ، والسنّة المطهرة.
ومن حسن الحظ أنّ المصدرين صريحان في ترتّب الثواب على امتثال الأمر الغيري إذا كان بقصد التوصّل لذيها ، وإليك بعض ما يدلّ على ذلك في المصدرين.
قال سبحانه : ( مَا كانَ لأهْلِ الْمَدينَةِ وَمَنْ حَولَهُمْ مِنَ الأعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ وَلا يرغَبُوا بِأَنفسهِمْ عَنْ نَفْسهِ ذلكَ بانَّهُمْ لا يُصيبُهُمْ ظَمأٌ ولا نَصبٌ وَلا مَخْصَمة في سَبيلِ اللّهِ وَلا يَطَئُونَ مُوطِئاً يَغِيظُ الكُفّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوّ نيلاً إلاّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِين ). (١)
والآية المباركة تخبر عن أنّه سبحانه يكتب للمجاهدين في مقابل كلّ
__________________
١ ـ التوبة : ١٢٠.