وأمّا الاستئجار في غير الحج الذي يعدّ عبادياً محضاً ، كالصلاة والصوم فعقد الإجارة لإتيان ما وجب على الغير من العبادة في مقابل الأُجرة أمر مشكل ، وليس في الأخبار والروايات أثر منه ، وإنّما جرت السيرة على ذلك بين المتأخّرين فانّ قصد القربة مع أخذ الأُجرة متنافيان وإن أصرّ المتأخّرون على صحّتها ، وقد نقل شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظله ـ الوجوه التي ذكرها المشايخ لتصحيح الإجارة التي أهمها ما أشار إليه المحقّق الخراساني من أنّه من قبيل الداعي إلى الداعي ، وانّه يأخذ الأُجرة لأن يصلي للّه سبحانه عن جانب الغير.
وقد نقد شيخنا الأُستاذ ـ مد ظله ـ هذه الوجوه في بحوثه الفقهية (١) ولكنّه سلك مسلكاً آخر في تصحيح هذا النوع من النيابة ، وهو نفس ما سلكه المشهور في مورد القاضي والمفتي ومعلّم الأحكام الشرعية والمؤذن مما علم من الشرع حرمة أخذ الأُجرة في مقابلها ، فانّ المسلك الحق فيه هو قيام الحاكم بقضاء حوائج هؤلاء بأن يموّلهم حتى يتسنّى لهم القيام بوظائفهم الشرعية من دون شائبة مادية ، وقد كتب الإمام عليهالسلام إلى عامله في مصر في حقّ القاضي وقال :
« وأفْسِحْ له في البذلِ ما يُزيلُ علَّته ، وتَقلُّ معه حاجتُه إلى الناس ». (٢)
وعلى ضوء هذا فمن يريد القيام بفرائض الغير ، فعلى الوليّ أن يسدّ حاجات النائب مدة سنة أو أقل ، حتّى يقوم بفرائض والده ـ مثلاً ـ المتوفّـى ، فيكون العطاء من جانب والعمل من جانب آخر من دون معاوضة ، بل من باب « جزاء الإحسان بالإحسان ».
__________________
١ ـ لاحظ المواهب في تحرير أحكام المكاسب ، المطبوع. لاحظ ص ٧٢٥ ـ ٧٣٠.
٢ ـ نهج البلاغة ، قسم الرسائل ، رقم٥٣.