ولكنّك عرفت عدم اتقان المبنى وانّ معاني الحروف تتمايز عن الأسماء بجوهرهما لا باللحاظ.
وأمّا الثانية : فهي خيرة السيّد الأُستاذ قدسسره ، وتوضيحها يحتاج إلى مقدّمة ، وهي انّه لا جامع مقولي للمعاني الحرفية ، وذلك لأنّ الجامع المقولي عبارة عن المفهوم العام المنتزع من الأفراد باعتبار اشتراكهما في حقيقة واحدة ، وما هو كذلك يكون له مفهوم مستقل يلاحظه الذهن مرة بعد مرة ، ومثل ذلك لا يكون جامعاً مقولياً للحروف ، لأنّ واقع الحروف هو القيام بالغير والاندكاك فيه ، فلو انسلخت هذه الخصوصية عنه لانقلب المعنى الحرفي إلى المعنى الاسمي.
وبذلك يعلم أنّه لا يمكن أن يكون هناك جامع مقولي للحروف ، لأنّه بما هو جامع مقولي يلازمه الاستقلال ، وبما هو جامع مقولي للحروف يلازمه الاندكاك والتبعية ، وهما لا يجتمعان في مفهوم واحد في زمان واحد.
وبعبارة أُخرى : لا جامع مقولي بين المعاني الحرفية ، إذ لو كان الجامع من سنخ المعنى الحرفي لوجب أن يكون متدلّياً بالذات وهو بهذا الوصف يمتنع أن يكون مقولة ، لأنّ المقولة تحمل على مصاديقها ، والحمل يستلزم الاستقلال في التصور ، وهو لا يجتمع مع كونه معنى حرفياً غير مستقل في المفهوم.
وإن شئت قلت : إنّه لو كان الجامع من سنخ المعاني الاسمية ، فهو لا يكون جامعاً للمعاني الحرفية.
فإن قلت : إذا لم يكن هناك جامع ذاتي للمعاني الحرفية ، فكيف توضع الحروف لمصاديق المعنى الكلي حتى يكون الموضوع له عاماً؟
قلت : لا محيص للواضع من التمحل بأن يتوصل عند الوضع بمفاهيم اسمية لا تكون جامعاً ذاتياً لها ، كما لا تكون ربطاً حقيقياً وتدلياً واقعيا ، كمفاهيم