ذلك ينتقل الذهن إلى المعنى بمجرّد السماع ولو من لافظ غير شاعر.
وأمّا الثانية : أعني الدلالة التفهيمية ، فهي عبارة عن دلالة اللفظ على أنّ المتكلّم أراد تفهيم المعنى للغير ، وهذه الدلالة تتوقّف وراء العلم بالوضع على أنّ المتكلّم في مقام التفهيم ، لا في مقام تمرين الخطابة وأمثالها أو تعلم اللغة.
وأمّا الثالثة : أي الدلالة التصديقية ، فهي عبارة عن دلالة اللفظ على أنّ الإرادة الاستعمالية مطابقة للإرادة الجديّة ، وهي تتوقف وراء الأمرين على أمر ثالث وهو أصالة تطابق الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدية. وهذا الأصل وما قبله أي كونه بصدد التفهيم من الأُصول العقلائية إذا لم يقم دليل على خلافه.
الثاني : انّ المحقّق الخراساني لما قال بوضع الألفاظ للمعاني الواقعية حاول تأويل الكلام المنقول عن العلمين الطوسي والحلي ، بأنّ مرادهما من تبعية الدلالة للإرادة ، هو الدلالة التصديقية ولذلك لا يصحّ لنا أن نُسند مضمون الكلام إلى شخص ما لم يُحرز أنّه أراد ذلك المعنى ، وعليه لو تكلّم مورّياً أو تقيّة أو لغير ذلك لا يصحّ أن يسند مضمونه إليه.
أقول : ما ذكر من تبعية الدلالة التصديقية لإرادة المتكلّم وإن كان صحيحاً لكنّه ليس نظرية خاصّة للعلمين ، بل هي ممّا لم يختلف فيه اثنان ، فاشتمال كلامهما على التبعية ناظر إلى معنى آخر وهو تبعية الدلالة التصورية أو الوضعية للإرادة. وعذر المحقّق الخراساني في هذه النسبة ، عدم مراجعته لكلامهما في محلّه.
الثالث : انّ كلّ من فسّر الوضع بالتعهد والالتزام وقال إنّه عبارة عن التعهد بأنّ كلّما أطلق اللفظ أراد منه المعنى الخاص لا مناص له عن القول باختصاص الدلالة الوضعية بصورة قصد التفهيم وإرادة المعنى من اللفظ.
لأنّ الالتزام أو التعهد الذي هو مقوّم الوضع إنّما يتعلّق بالأمر الاختياري ،