وما دل على وجوب الاحتياط (١) لو سلم وإن كان واردا على حكم العقل فإنه كفى بيانا على العقوبة على مخالفة التكليف المجهول.
______________________________________________________
«منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ٣٣٣» ـ أن هذه الروايات أجنبية عن إثبات وجوب الاحتياط في الشبهة البدوية بعد الفحص.
بيان ذلك : أن هذه الروايات مشتملة على موضوع وهو الهلكة ، المراد بها ـ بقرينة بعضها كمقبولة عمر بن حنظلة ـ العقوبة ؛ إذ النهي الظاهر في التحريم لا يكون إلا عما هو حرام ، والحرمة توجب استحقاق العقوبة لا الهلكة الدنيوية كما هو واضح ، وعلى محمول وهو وجوب التوقف المستفاد من الأمر به بمثل قوله «عليهالسلام» : «قفوا عند الشبهة» ، وقوله : «فإن الوقوف خير ...» (١) الخ. بالتقريب المتقدم ، ولا ريب في : أن نسبة المحمول إلى الموضوع كنسبة المعلول إلى العلة في تأخره عنها رتبة ، فلا بد حينئذ من وجود العقوبة قبل الأمر بالتوقف حتى ينبعث عنها الأمر به ، وهذا يختص بما إذا أحرز من الخارج ما يصحح العقوبة عليه ، وهو منحصر في الشبهة البدوية قبل الفحص ، والشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي. وأما في المقام ، فبما أن المقصود إجراء البراءة بعد الفحص واليأس من الدليل ؛ لما دل من الدليل العقلي والنقلي على جريانها بعد إحراز عدم البيان ، فلا مانع من إجراء البراءة. ولا يمكن إثبات البيان بنفس أخبار التوقف ؛ لأنه مستلزم للدور كما لا يخفى.
تقريب الدور : أن وجوب التوقف متوقف على الهلكة ؛ لأنه معلول لها ، والهلكة متوقفة على البيان ؛ لقبح العقاب بدونه ، فلو توقف البيان على وجوب التوقف كان وجوب التوقف متوقفا على وجوب التوقف وهو الدور.
والمراد من «النقل» من قوله : «مع دلالة النقل على الإباحة» : هي أحاديث الرفع والحل والسعة الدالة على إباحة ما لا تعلم حرمته ظاهرا ؛ «كما عرفت» في أدلة البراءة.
ومن هنا يظهر الجواب عن الأخبار التي تدل على وجوب التوقف التزاما.
وهناك وجوه أخرى في الجواب تركناها رعاية للاختصار.
(١) إشارة إلى الجواب عن أخبار الاحتياط مطلقا ، سواء دلت على الاحتياط مطابقة أو التزاما. والأول : مثل قول أمير المؤمنين «عليهالسلام» لكميل بن زياد : «أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت» ، والثاني : ما ورد من النهي عن القول بغير علم.
وكيف كان ؛ فحاصل ما أفاده المصنف في الجواب يرجع إلى وجوه ثلاثة :
__________________
(١) المحاسن ١ : ٢١٥ / ١٠٢ ، الكافي ١ : ٥٠ / ١ ، وفيهما «الوقوف عند الشبهة».