القدماء ظاهرا ، حيث لم ينقل أحد مع بذل جهد طائفة من المتأخرين في نقل الأقوال في هذه المسألة والفحص عن القائل بالوجوب العيني إلاّ عن ثلاثة أو أربعة منهم (١) ؛ وهو أيضا ليس كذلك كما يأتي.
وتوهّم عدم صراحة كلام العماني وإرشاد المفيد والخلاف ـ كما اتّفق لبعض المتأخرين ـ فاسد غايته :
لتخصيص الأوّل فرضية الحضور إلى صلاة الجمعة بالبلد الذي فيه الإمام ، أو المكان الذي فيه امراؤه ، ولو لا انتفاء الوجوب بدونه لما كان للتخصيص وجه.
واستدلال الثاني على وجوب وجود الإمام في كلّ عهد بأن يجمع الجمعات والعيدين ، ولو وجب مع غيره أيضا ، لما كان للدليل معنى. وذكره بعض أمور أخر قد تصدر من الفقهاء أيضا ، ممنوع ؛ إذ كلّ ما ذكره بعمومه الذي هو مقتضى ألفاظه لا يمكن صدوره إلاّ من إمام مبسوط اليد.
وتصريح الثالث بعدم انعقاد الجمعة بدون الإمام أو أميره ، وبأنّه لم يفعله من زمان النبي إلى زماننا غيرهما ، وبأنّ الإماميّة أجمعوا على اشتراط الإمام فيه بقول مطلق.
وأمّا ما ذكره في أثناء كلامه من أنّ ما روي من جواز الجمعة لأهل القرى والسواد فهو مأذون فيه فجرى مجرى نصب الإمام.
فهو توجيه للأخبار المروية بحملها على الاستحباب ؛ لحصول ما يجري مجرى النصب وإن لم يحصل حقيقة النصب الّذي هو شرط الوجوب. ففي الحقيقة هو تأويل لتلك الأخبار ، وهو لا يدل على أنّه فتواه ، كما ارتكب في التهذيب كثيرا ، مع أنّه لو كان فتواه أيضا لم يضر ، هذا.
ثمَّ إنّه على اشتراط الإمام أو نائبه ـ في وجوبها أو جوازها ـ الإجماع في كثير من كلمات الأصحاب ، كما في الخلاف والسرائر والغنية وكلام القاضي والديلمي
__________________
(١) انظر ص ١٦.