عدم الفصل.
ورابعها : استصحاب الحكم السابق على زمان تشريع الجمعة ، وهو وجوب الظهر على جميع المكلفين ، وبعد تشريعها لم يثبت نقض ذلك الحكم إلاّ بالنسبة إلى بعضهم ، وكوننا منهم أول الدعوى لو لم نقل بكوننا غيرهم.
والحاصل : أنّ الله سبحانه ما أوجب الجمعة إلاّ بعد مدة مديدة من البعثة ، وكانت الفريضة بالنسبة إلى جميع المكلفين في تلك المدة هي الظهر بالضرورة ، ثمَّ بعد تلك المدة تغيّر التكليف بالنسبة إلى بعض المكلّفين ، بالإجماع والضرورة والأخبار المتواترة ، فمن ثبت تغيّر حكمه فلا نزاع ، ومن لم يثبت فالأصل بقاء الظهر اليقينية بالنسبة إليه حتّى يثبت خلافه ، ولم يثبت.
والتوضيح : أنّا نعلم علما ضروريا أنّ الظهر كانت ثابتة قبل تشريع الجمعة على كلّ أحد ، وكانت بحيث لو لم تشرع الجمعة كانت واجبة عليهم إلى يوم القيامة ، ويعلم أنّ الموجودين في هذا الزمان كانوا يعلمون وجوبها عليهم وعلى من بعدهم إلاّ مع ناسخ أو مسقط ، وكانت بعينها كصلاة العصر والفجر وغيرهما ، يعتقدون وجوبها إلاّ بناسخ أو مسقط ، ويستفاد ذلك من أخبار الظهر المتقدمة أيضا ، وتدلّ عليه مرسلة الفقيه : « إنّما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام » (١) فإنّ الوضع فرع الثبوت.
ثمَّ بالإجماع والأخبار علم سقوط الظهر عمّن أدرك الإمام أو نائبه متمكنا ، ولم يعلم سقوطه من غيره فيستصحب ، ثمَّ إنّه لم يعلم من أدلّة وجوب الجمعة ـ كما مرّ ـ سقوط الظهر عنّا ، فيكون واجبا عينيا علينا ، فلا تكون الجمعة مشروعة إجماعا ؛ إذ شرعيّة الجمعة مسقطة للظهر قطعا.
ويدلّ عليه أيضا أصل الاشتغال ، فإنّ كلّ أحد مكلّف بأحد الأمرين من الظهر والجمعة قطعا ، وبعد انتفاء الوجوب العيني للجمعة بما مرّ يكون الظهر مبرئا
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢١٩ ، الوسائل ٧ : ٣١٢ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٦ ح ١.