قوة مركز الأمين ، بالنسبة إلى أخيه المأمون ؛ حيث قد كان للأمين حزب قوي جدا ، وأنصار يستطيع أن يعتمد عليهم ، يعملون من أجله ، وفي سبيل تأمين السلطة له ، وهم : أخواله ، والفضل بن يحيى البرمكي ، وأكثر البرامكة ، إن لم يكن كلهم ، وأمه : زبيدة ، بل والعرب أيضا ، كما سيأتي ..
وإذا ما عرفنا أن هؤلاء هم الذين كانوا يؤثرون على الرشيد كل التأثير ، وكان لهم دور كبير في توجيه سياسة الدولة .. فلسوف نرى أنه كان من الطبيعي أن يضعف الرشيد أمام هذه القوة ، وينصاع لها ، ومن ثم .. لتؤثر مساعيها أثرها ، وتعطي نتيجتها في الوقت المناسب ؛ فيجعل ولاية العهد من بعده لولده الأصغر سنا ، وهو الأمين ، ويترك الأكبر ـ المأمون ـ ، ليكون ولي العهد الثاني بعد الأصغر ..
ولعل تعصب بني هاشم ، وجلالة عيسى بن جعفر قد لعبا دورا كبيرا في فوز الأمين بالمركز الأول في ولاية عهد أبيه الرشيد (١). هذا عدا عن الدور الرئيسي ، الذي لعبته « زبيدة » في تكريس الأمر لصالح ولدها (٢).
فيحدثنا المؤرخون : أن عيسى بن جعفر بن المنصور ، خال الأمين جاء إلى الفضل بن يحيى ، وهو متوجه إلى خراسان على رأس جيش ، وقال له : « انشدك الله ، لما عملت بالبيعة لابن أختي ؛ فإنه ولدك ، وخلافته لك ، وإن أختي زبيدة تسألك ذلك .. فوعده الفضل أن يفعل ، وعند ما انتصر على الخارجين هناك ، بايع هو ومن معه من القواد والجند لمحمد (٣) ،
__________________
(١) ابن بدرون في شرح قصيدة ابن عبدون ص ٢٤٥ ، والإتحاف بحب الاشراف ص ٩٦.
(٢) زهر الآداب طبع دار الجيل ج ٢ ص ٥٨١.
(٣) راجع تفصيل ذلك في : الطبري ج ١٠ ص ٦١١ ، والنجوم الزاهرة ج ٢ ص ٧٦ ، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ٨٨ ، وأشار إلى ذلك أيضا ابن خلدون في تاريخه ج ٣ ص ٢١٨.