فبينما نراه من جهة :
لا يذكر أحدا من الخلفاء ، ولا غيرهم من الصحابة بسوء ، بل هو يتخرج حتى من المساس بغير الصحابة ، وحتى بأولئك الذين كان حالهم في الخروج على الدين ، وتعاليم الشريعة ، معروفا ومشهورا « كالحجاج ابن يوسف »! وذلك من أجل أن لا يثير عواطف أولئك الذين يلتقي معهم فكريا وسياسيا ، ومصلحيا. والذين سوف يكونون له في المستقبل الدرع الواقي ، والحصن الحصين ..
فاستمع إليه يقول ـ كما يروي لنا التغلبي المعاصر له : « .. وظنوا أنه لا يجوز تفضيل علي إلا بانتقاص غيره من السلف! والله ، ما أستجيز أن أنتقص الحجاج بن يوسف ؛ فكيف بالسلف الطيب؟! » (١).
وكذلك نراه يركن إلى رأي يحيى بن أكثم ، الذي قال له ـ عند ما أراد الاعلان بسبب معاوية على المنابر ـ : « والرأي أن تدع الناس كلهم على ما هم عليه ، ولا تظهر أنك تميل إلى فرقة من الفرق ؛ فإن ذلك أصلح في السياسة ، وأحرى في التدبير .. » ، ثم يدخل عليه ثمامة ؛ فيقول له المأمون : « يا ثمامة ، قد علمت ما كنا دبرناه في معاوية. وقد عارضنا رأي هو أصلح في تدبير المملكة ، وأبقى ذكرا في العامة الخ .. » (٢).
وأيضا .. نرى شعره الذي يرويه لنا غير واحد :
أصبح ديني الذي
أدين به |
|
ولست منه الغداة
معتذرا |
حب علي بعد
النبي ولا |
|
أشتم صديقا ولا
عمرا |
__________________
(١) عصر المأمون ج ١ ص ٣٦٩ ، نقلا عن : تاريخ بغداد ، لابن طيفور ج ٦ ص ٧٥.
(٢) المحاسن والمساوي ص ١٤١ ، وضحى الاسلام ج ٢ ص ٥٨ ، وج ٣ ص ١٥٢ ، ١٥٦ ، وعصر المأمون ج ١ ص ٣٧١ ، والموفقيات ص ٤١ ، وكتاب بغداد ص ٥٤.