والحب لهم (١) إنما كان من أول أيامه .. يدلنا على ذلك أمور كثيرة ، ويكفي هجاء ابن شكلة له ، وهجاؤه لابن شكلة شاهدا على ذلك .. فضلا عن الكثير من الامور الاخرى غيره.
ثم نراه بعد ذلك يبيح المتعة ، ويصف الخليفة الثاني ، عمر بن
__________________
(١) قال في النجوم الزاهرة ج ٢ ص ٢٠١ ، ٢٠٢ ، ومثله في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٠٨ ، وغيرهما : « أن المأمون كان يبالغ في التشيع ، ويقول : إن أفضل الخلق بعد النبي علي بن أبي طالب. وأمر أن ينادى ببراءة الذمة ممن يذكر معاوية بخير ، لكنه لم يتكلم في الشيخين بسوء بل كان يترضى عنهما ، ويعتقد إمامتهما .. ».
وهذا بعينه هو مذهب معتزلة بغداد ابتداء من بشر بن المعتمر ، وبشر بن غياث المريسي وغيرهما من معتزلة بغداد ، حتى لقد قال بشر المريسي المعتزلي المعروف على ما في البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٧٩ :
قد قال مأموننا وسيدنا |
|
قولا له في الكتب تصديق |
إن عليا أعني أبا حسن |
|
خير من قد أقلت النوق |
بعد نبي الهدى ، وإن لنا |
|
أعمالنا والقرآن مخلوق |
وصرح بأنه يذهب مذهب المعتزلة كثيرون ، فليراجع : البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٧٥ ، وضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٩٥ ، وامبراطورية العرب ص ٦٠٠ ، وغيرهم ، بل لقد قال خيري حماد ، في تعليقته على ص ٦٠١ من امبراطورية العرب : « أجمعت كتب التاريخ العربي على أن المأمون مال إلى الأخذ بمذهب المعتزلة ، فقرب أتباع هذا المذهب إليه إلخ .. ». ويدل على ذلك أيضا أقوال. وأشعار المأمون المتقدمة .. ولعل وصف بعض المؤرخين له بالتشيع هو الذي أوهم البعض بأن المأمون كان يتشيع بالمعنى المعروف للتشيع ، فجزم بذلك ، وبدأ يحشد الدلائل ، والشواهد ، التي لا تسمن ، ولا تغني من جوع ، وقد غفل عن أنهم يقصدون بكلمة « التشيع » المعنى اللغوي ، لا المعنى الخاص المعروف الآن ..
وبعد .. فان من الواضح : أن عقيدة المأمون تلك ، لم تكن تثمر على الصعيد العملي العام ؛ فانه كان من السياسيين ، الذين لا ينطلقون في سلوكهم ، ومواقفهم الخارجية من منطلقات عقائدية ، ومفاهيم انسانية .. وانما يكون المنطلق لهم في مواقفهم ، وتصرفاتهم ، هو ـ فقط ـ مصالحهم الشخصية ، وما له مساس في استمرار فرض سلطتهم ، وتأكيد سيطرتهم ..