الخطاب بـ « جعل » (١) ، أو نحو ذلك ..
ونراه أيضا أنه عند ما سأل أصحابه عن : أنبل من يعلمون نبلا ، وأعفهم عفة ، فقال له علي بن صالح : « أعرف القصة في عمر بن الخطاب ، فأشاح بوجهه ، وأعرض ، وذكر كلاما ليس من جنس هذا الكتاب ، فنذكره ، إلخ .. » (٢) على حد تعبير البيهقي .. وذكر طيفور : أن أبا عمر الخطابي دخل على المأمون ؛ فتذاكروا عمر بن الخطاب فقال المأمون : إلا أنه غصبنا ، فقال له أبو عمر يا أمير المؤمنين ، يكون الغصب الا بحق يد فهل كانت لكم يد ، قال فسكت المأمون عنه ، واحتملها له (٣).
ولكن اعتراض الخطابي اعتراض بارد وتوجيه فاسد فهل الخلافة من الأموال؟ أم هي حق جعله الله لهم؟ ولا ندري سر سكون المأمون عنه ، واحتماله منه ، إلا ما قدمناه ..
بل إن الأهم من ذلك كله .. أننا نراه يصف الخلفاء الثلاثة ، وغيرهم من الصحابة بأنهم : « ملحدين » ، ناسيا ، أو متناسيا كل أقواله السابقة ، وخصوصا شعره ، وقوله : إنه يتحرج حتى من تنقص
__________________
(١) وفيات الأعيان ترجمة يحيى بن أكثم ج ٢ / ٢١٨ ط سنة ١٣١٠ ه. والسيرة الحلبية ج ٣ / ٤٦ والنص والاجتهاد ص ١٩٣ ، وفي قاموس الرجال ج ٩ / ٣٩٧ ، نقلا عن الخطيب في تاريخ بغداد : أنه كان يقول : « ومن أنت يا أحول الخ .. » ، ولا يخفى أنهم أرادوا تلطيف العبارة بقدر المستطاع ؛ فحرفوها إلى ما ترى ..
هذا .. وقد يرى البعض : أن تفضيله عليا ، وأعلانه بسبب معاوية ، وإباحته المتعة ، وقوله بخلق القرآن ، ليس إلا لإشغال الناس بعضهم ببعض ، وصرف الناس عن التفكير بالخلافة ، التي هي أعز ما في الوجود عليه ، والتي ضحى من أجلها بأخيه ، وأشياعه ، ووزرائه ، وقواده .. وكذلك من أجل صرف الناس عن أهل البيت عليهمالسلام ، وابعادهم عنهم .. ولعل هذا الرأي لا يعدم بعض الشواهد التاريخية ، التي تؤيده ، وتدعمه.
(٢) المحاسن والمساوي ص ١٥٠.
(٣) كتاب بغداد ص ٥١.