عاد إلى لبس السواد شعار العباسيين ، بعد ثمانية أيام فقط من وصوله ، على حد قول أكثر المؤرخين ، وقيل : بل بقي ثلاثة أشهر .. نزع الخضرة رغم أن العباسيين ، تابعوه ، وأطاعوه في لبسها ، وجعلوا يحرقون كل ملبوس يرونه من السواد ، على ما صرح به في مآثر الإنافة ، والبداية والنهاية ، وغير ذلك ..
وثانيا : ولنفس السبب (١) أيضا نراه قد ضرب النقود باسم الإمام الرضا (ع).
وثالثا : أقدم للسبب نفسه على تزويج الإمام الرضا (ع) ابنته ، رغم أنها كانت بمثابة حفيدة له ، حيث كان يكبرها الإمام (ع) بحوالي أربعين سنة. كما أنه زوج ابنته الاخرى للامام الجواد (ع) ، الذي كان لا يزال صغيرا ، أي ابن سبع سنين (٢).
ومن يدري : فلعله كان يهدف من تزويجهما أيضا إلى أن يجعل عليهما رقابة داخلية. وأن يمهد السبيل ، لكي تكون الأداة الفعالة ، التي
__________________
(١) التربية الدينية ص ١٠٠.
(٢) راجع مروج الذهب ج ٣ / ٤٤١ ، وغيره من كتب التاريخ. وفي الطبري ج ١١ / ١١٠٣ ، طبع ليدن ، والبداية والنهاية ج ١٠ / ٢٦٩ : أنه (ع) لم يدخل بها إلا في سنة ٢١٥ للهجرة ، ولكن يظهر من اليعقوبي ج ٢ / ٤٥٤ ط صادر : أنه زوج الجواد ابنته بعد وصوله الى بغداد ، وأمر له بألفي الف درهم ، وقال : إني أحببت أن أكون جدا لامرئ ، ولده رسول الله ، وعلي بن أبي طالب ، فلم تلد منه انتهى. وهذا يدل على أنه قد بادر إلى تزويج الجواد بعد قتل أبيه الرضا (ع) ليبرئ نفسه من الاتهام بقتل الرضا (ع) ؛ حيث إن الناس كانوا مقتنعين تقريبا بذلك ومطمئنين إليه ، وسيأتي في أواخر الكتاب البحث عن ظروف وملابسات وفاته (ع).
ويلاحظ : أن كلمة المأمون هذه تشبه الى حد بعيد كلمة عمر بن الخطاب حينما أراد أن يبرر اصراره غير الطبيعي على الزواج بام كلثوم بنت علي (ع) ، حتى لقد استعمل اسلوبا غير مألوف في التهديد والوعيد من أجل الوصول إلى ما يريد ..