جعل ولاية العهد للإمام ، سوف يكون كافيا لتحطيمه اجتماعيا ، وإسقاطه نهائيا من أعين الناس ؛ حيث يظهر لهم بالعمل ـ لا بالقول : أن الإمام رجل دنيا فقط ، وأن تظاهره بالزهد والتقوى ما هو إلا طلاء زائف ، لا واقع له ، ولا حقيقة وراءه .. ولسوف تكون النتيجة هي تشويه سمعة الإمام (ع) ، وزعزعة ثقة الناس به ؛ وذلك بسبب الفارق الكبير بالسن ، بين الخليفة الفعلي ، وبين ولي عهده ؛ إذ أن ولي العهد لا يكبر الخليفة الفعلي بسنتين ، أو ثلاثة ، أو خمسة ، لا .. بل اكثر من ذلك بكثير ، إنه يكبره بـ (٢٢) سنة ، وإنه لمن الامور غير الطبيعية أبدا : أن يقبل ولاية العهد ، وهو يكبر الخليفة الفعلي بهذا المقدار الكبير من السنين ، ولسوف يكون قبوله لها ـ مع هذا الفارق بينهما ـ موجبا لجعله عرضة لشكوك الناس ، وظنونهم ، ولسوف يتسبب بوضع علامات استفهام كبيرة حوله .. كما كان الحال. بالنسبة لسؤال محمد بن عرفة ، وكلام الريان المتقدم .. ولسوف يفسر (١) ذلك من أولئك الذين لا يدركون حقيقة ما يجري ، وما يحدث ، ـ وما أكثرهم ـ بتفسيرات تنسجم مع رغائب المأمون ، وأهدافه. لأنهم سوف يرون أن زهده (ع) بالدنيا ، ليس إلا ستارا تختفي وراءه مطامعه فيها ، وحبه المستميت لها ، حتى إنه ليطمع أن يعيش إلى ما بعد الخليفة الفعلي ، الذي هو أصغر من ولده ، ويصل إلى الحكم .. وباختصار نقول :
__________________
(١) ولكنا ، مع ذلك نجد : أن قسما من أصحاب الرضا عليهالسلام ، ممن كانوا يراقبون الأحداث بوعي ودراية ، كانوا يدركون لوايا المأمون وأهدافه هذه ففي البحار ؛ ج ٤٩ ص ٢٩٠ ، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٩ : أنه قد سئل أبو الصلت : « كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا مع إكرامه ومحبته له ، وما جعل له من ولاية العهد بعده؟! فقال : إن المأمون كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله ، وجعل له ولاية العهد من بعده ، ليري الناس أنه راغب في الدنيا ؛ فلما لم يظهر منه إلا ما ازداد به فضلا عندهم ، ومحلا في نفوسهم ، جلب عليه إلخ .. ».