لهم سماع كلمة الإمام (ع) ؛ لانشغالهم مع بعضهم بأحاديث خاصة ؛ أو لتوجههم لامور جانبية أخرى ، كما يحدث ذلك كثيرا في مناسبات كهذه ..
نرى الإمام (ع) يتصرف بنحو آخر ؛ حيث إنه عند ما سارت به الناقة ، وفي حين كانت أنظار الناس كلهم ، وقلوبهم مشدودة إليها ..
نراه يخرج رأسه من العمارية ؛ فيسترعي ذلك انتباه الناس ، الذين لم يكونوا يترقبون ذلك منه. ثم يملي عليهم ـ وهم يلتقطون أنفاسهم ؛ ليستمعوا إلى ما يقول ـ كلمته الخالدة الاخرى :
« بشروطها ؛ وأنا من شروطها ».
لقد أملى الإمام (ع) كلمته هذه عليهم ، وهو مفارق لهم ؛ لتبقى الذكرى الغالية ، التي لا بد وأن يبقى لها عميق الأثر في نفوسهم (١) ..
لقد أبلغهم (ع) مسألة أساسية أخرى ، ترتبط ارتباطا وثيقا بالتوحيد ، ألا وهي مسألة : « الولاية » ..
وهي مسألة بالغة الأهمية ، بالنسبة لأمة تريد أن تحيا الحياة الفضلى ، وتنعم بالعيش الكريم ؛ إذ ما دامت مسألة القيادة الحكيمة ، والعادلة ، والواعية لكل ظروف الحياة ، وشئونها ، ومشاكلها ـ ما دامت هذه
__________________
(١) ويلاحظ : أن هذه الكلمة قد صيغت بنحو لا بد معه من الرجوع إلى الكلمة الاولى ، ومعرفتها.
وبعد .. فما أشبه موقفه عليهالسلام هنا بموقف النبي (ص) في غدير خم ؛ حيث إنه (ص) كان أيضا قد أبلغ المسلمين مسألة الولاية ، في ذلك الموقف الحاشد ، وفي المكان الذي لا بد فيه من تفرق الناس عنه (ص) ، وذهاب كل منهم إلى بلده ، ولعل إرجاع المتقدمين ، وحبس المتأخرين يشبهها إخراج الامام عليهالسلام رأسه من العمارية .. يضاف إلى ذلك : أن موقفه (ص) كان آخر مواقفه العامة في حياته إلى آخر ما هنالك من وجوه الشبه بين الواقعتين.
ولعلنا نجد تشابها بين هذه الواقعة ، وبين قضية إرجاع أبي بكر عن تبليغ آيات سورة براءة ، ثم إرسال علي مكانه ..