فإننا ندرك للتوّ أنه (ع) يريد ضرب العقيدة ، التي كان قد شجعها الحكام ، وروّج لها علماء السوء .. من أن الخليفة ، بل مطلق الحاكم في منأى ومأمن من أي مؤاخذة ، أو عقاب ، مهما اقترف من جرائم ، وأتاه من موبقات ؛ فهو فوق القانون ، ولا يجوز لأحد الخروج ، أو الاعتراض عليه ، في أي من الظروف والأحوال ، حتى ولو رمى القرآن بالنبل ، وقتل ابن بنت رسول الله ، فضلا عما عدا ذلك من الجرائم والموبقات ..
والإمام .. الذي يعرف كيف كانت سيرة المأمون ، وسائر خلفاء بني العباس ، ومن لف لفهم ، والتي عرفت فيما تقدم طرفا منها ، والذين كانوا يتمتعون بهذه الحصانة الزائفة .. قد أراد أن يوجه ضربة قاضية لهم جميعا ، حتى للمأمون ، وأشياعه ، وكل من كان من الطواغيت والظلمة على شاكلتهم ، ويبين لهم ، وللملإ أجمع : أن الحاكم حارس للنظام والقانون ، ولا يمكن أن يكون فوق النظام والقانون ؛ ولذا فلا يمكن أن يكون في منأى عن العقاب والقصاص ، لو ارتكب أي جريمة ، أو اقترف أية عظيمة.
فالمأمون ، وآباؤه ، وأشياعهم ، كانوا يضحون بكل شيء في سبيل أنفسهم ، ومصالحهم الشخصية ، ويقترفون كل عظيمة في سبيل تدعيم حكمهم ، وتقوية سلطانهم .. أما الامام (ع) فهو مستعد لأن يقدم نفسه ـ إن اقتضى الأمر ـ للعقاب والنكال ، عند صدور أية مخالفة ، وحصول أي تجاوز عما يرضي الله تعالى ، وعن سنة رسوله ..
وبعد كل ما تقدم .. نراه يعبر عن عدم رضاه بهذا الأمر ، وعدم تهالكه عليه ؛ لعلمه بعدم تماميته له ؛ ويقول بصريح العبارة : إنه أمر لا يتم ؛ لأن « .. الجفر والجامعة يدلان على ضد ذلك .. ». كما أن في هذا تنويه مهمّ منه (ع) بذكر الركن الثاني من أركان إمامة أئمة