ويؤثر عليهم بما حباه الله من الفضائل والكمالات الأخلاقية ، وبما آتاه الله من العلم والحكمة ، والورع والتقوى ، الذي سار ذكره في الآفاق ، حتى لا يكاد يجهله أحد .. وإذا كان أهل نيشابور ، بل وحتى أهل مرو ، معقل العباسيين والمأمون ، قد كان منهم تجاه الإمام ما لا يجهله أحد .. حتى إنهم كانوا بين صارخ ، وباك ومتمرغ في التراب إلخ .. وحتى لقد خاف المأمون وأشياعه على دمائهم ـ إذا كان هؤلاء هكذا ـ فكيف ترى سوف تكون حالة أهل الكوفة وقم ، معقلي العلويين ، والمحبين لأهل البيت ، والمتفانين فيهم ، لو أنهم رأوا الإمام (ع) بينهم ، وبالقرب منهم .. يقول الراوندي في ذلك : « إن المأمون أمر رجاء بن أبي الضحاك : أن لا يمر بالإمام عن طريق الكوفة ؛ لئلا يفتتن به أهلها .. » (١)!!.
والمأمون لا يريد أن يفتتن الناس بالامام ، وإنما الذي يريده هو عكس ذلك تماما .. إنه يريد أن يضع من الامام لا أن يرفع ..
أما أهل البصرة : فعثمانية ، يدينون بالكف ، ويقولون : كن عبد الله المقتول ، ولا تكن عبد الله القاتل .. بل لقد كانت البصرة معقلا مهما للعباسيين ، الذين حرق دورهم زيد النار ، ابن الامام الكاظم ، كما قدمنا ؛ ولهذا نلاحظ : أن دور البصريين في التشيع لم يكن يضارع دور غيرهم ، لا روائيا ، ولا كلاميا ..
وأما ما ربما يحتمله البعض : من أن المأمون كان يأمل أن يخرج من البصرة ، أو غيرها من يخلصه من الإمام (ع) نهائيا .. فلا أرى أنه يتفق مع أهداف وأغراض المأمون ، التي كان يرمي إليها من وراء لعبته تلك ..
__________________
(١) الخرائج والجرائح ، طبعة حجرية ص ٢٣٦.