قدمنا في فصل : آمال المأمون وآلامه : أن المأمون قد ارتضى سيرته ، ورد سيرة أبي بكر وعمر وعلي وهذه الوسيلة هي : « السم » ..
ودسّ إليه السم في العنب ، أو في ماء الرمّان ، ومضى الإمام (ع) شهيدا ، صابرا محتسبا .. وهذه هي نفس الطريقة التي تخلص بواسطتها ، من قبل : من محمد بن محمد ، صاحب أبي السرايا ، ولا نستبعد أنه قد دبر مثل ذلك في محمد بن جعفر ، الذي مات هو الآخر ـ كالرضا (ع) والفضل بن سهل ـ في طريق بغداد (١).
كما ويلاحظ : أنه لما مات محمد بن جعفر نادى منادى المأمون : « ألا لا تسيئن الظن بامير المؤمنين ؛ فان محمد بن جعفر جمع بين أشياء في يوم واحد. وكان سبب موته أنه جامع وافتصد ، ودخل الحمام فمات » (٢)
وهكذا .. مات اللذان تكرههما بغداد ، في نفس طريق بغداد .. ولم يعد هناك ما يعكر صفو العلاقات بينه ، وبين بني أبيه العباسيين وأشياعهم ، وأصبح باستطاعته ان يكتب إليهم :
« .. إن الأشياء التي كانوا ينقمونها عليه قد زالت ، وأنهم ما نقموا عليه إلا بيعته لعلي بن موسى الرضا (ع) ، وقد مات ؛ فارجعوا إلى السمع والطاعة ، وانه يجعل ولاية العهد في ولد العباس .. » (٣).
__________________
(١) ولعل ابن قتيبة يشير إلى هذا في معارفه طبع سنة ١٣٠٠ ص ١٣٣ حيث يقول : « وظفر بمحمد بن جعفر ، فحمله إلى المأمون مع عدة من أهل بيته ، فلم يرجع منهم أحد .. »!!. ولكننا نراه مع ذلك ، عند ما يؤتى بجنازة محمد بن جعفر قد نزل بين العمودين ، وحمله! وقال : هذه رحم مجفوة منذ مأتي سنة ، وصلى عليه وقضى دينه!!! .. بل إننا لا نستبعد أن يكون هو المدبر لشائعة غلبة السوداء على الحسن بن سهل أخي الفضل. وهكذا .. فيكون قد قضى على كل أولئك الذين تكرههم بغداد وتخشاهم ، وتخلص منهم واحدا بعد الآخر.
(٢) تاريخ جرجان ص ٤٠٤.
(٣) راجع في ذلك : الطبري ج ١١ ص ١٠٣٠ ، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٤٩ ،