فأسس المهدي فرقة (١) تدعي : أن الامام بعد رسول الله (ص) هو العباس بن عبد المطلب ، ثم ابنه عبد الله ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه محمد .. وهكذا إلى أن ينتهي الأمر إليهم .. هذا .. مع الاستمرار على البراءة من أبي بكر ، وعمر ، وعثمان. ولكنهم أجازوا بيعة علي ابن أبي طالب ؛ لأن العباس نفسه كان قد أجازها (٢). وتسمى هذه الفرقة ب : « الراوندية والشيعة العباسية ».
ولكننا لا نجد لهذه الفرقة أثرا في عصر المأمون ، لأن سياسة الخليفة قد اقتضت تجميد هذه المقالة ، ولو لفترة من الزمان كما سنوضحه وعلى كل حال فيقول منصور النمري يمدح الرشيد ويشير الى ذلك :
لو لا عدي وتيم
لم تكن وصلت |
|
إلى أمية تمريها
وترتضع |
إن الخلافة كانت
إرث والدكم |
|
من دون تيم ،
وعفو الله متسع (٣) |
__________________
(١) هذا .. ولكن الذي يبدو هو أن صاحب الفكرة الحقيقي هو المنصور. كما يظهر من رسالته لمحمد بن عبد الله بن الحسن ، ومن كثير من كلماته ، وخطبه .. والمهدي كان هو المنفذ لها ، والمخرج من عالم القوة إلى عالم الفعل .. بل لقد سار المنصور في إشاعة هذه الفكرة ، وتركيزها شوطا بعيدا ، حتى لقد تقرب إليه بها الشعراء ؛ فهذا السيد الحميري يقول ـ على ما يرويه لنا المرزباني في أخباره ص ٣٧ ويروي أيضا مكافأة المنصور المهمة له على ذلك ـ يقول السيد :
يا رهط أحمد إن من أعطاكم |
|
ملك الورى وعطاؤه أقسام |
رد الخلافة والوراثة فيكم |
|
وبنو أميّة صاغرون رغام |
لمتمم لكم الذي أعطاكم |
|
ولكم لديه زيادة وتمام |
أنتم بنو عم النبي عليكم |
|
من ذي الجلال تحية وسلام |
وورثتموه وكنتم أولى به |
|
إن الولاء تحوزه الأرحام |
إلى غير ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه واستقصائه.
(٢) فرق الشيعة للنوبختي ص ٤٨ ، ٤٩ ، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٧٣ ، ومروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ٢٣٦ ، إلا أن النوبختي ذكر أنهم لم يجيزوا حتى بيعة علي أيضا.
(٣) طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٢٤٤ ، والشعر والشعراء ص ٥٤٦.