وإن كانت سيرتهم الحميدة ، وخصوصا أهل البيت منهم ، كانت تدفع كل شائعة ، وسلوكهم المثالي يدحض كل افتراء ..
وأما الاضطهاد والتشريد ، وزج العشرات والمئات منهم في السجون الرهيبة ، التي كان من يدخل إليها لا يأمل بالخروج منها ؛ حيث إن دخول السجن إنما كان يعني في الحقيقة دخول القبر .. وأما دسهم السم لكل شخصية لا يستطيعون الاعتداء عليها جهارا ـ أما ذلك ـ فلم يكن ليكفيهم أيضا ، ولا ليقنعهم قطعا .. حيث انهم إنما كانوا متعطشين إلى الولوغ في دمائهم ، ومشتاقين إلى التفنن في تعذيبهم ، واختراع أساليب جديدة في ذلك ؛ فسمروا بالحيطان من سمروا ، وأماتوا جوعا من أماتوا ، ووضعوا في الاسطوانات منهم من وضعوا .. إلى غير ذلك مما يظهر لكل من له أدنى اطلاع على تاريخهم ، وتاريخ سلوكهم مع أبناء عمهم العلويين ..
وأما قتلهم لهم جماعات ، فأشهر من أن يحتاج إلى بيان .. وقضية المنصور مع بني حسن لا يكاد يخلو منها كتاب تاريخي .. وكذلك قضية الستين علويا ، الذين قتلوا بأمر من الخليفة « المنصور » باستثناء غلام منهم ، لا نبات بعارضيه (١).
__________________
(١) هذا ما نقله في شرح شافية أبي فراس ص ١٧٤ عن الدر النظيم ، عن أحمد بن حنبل ، الذي رأى رجلا متعلقا بأستار الكعبة ، يضرع إلى الله بالمغفرة ، وأقر له بأنه بنى على هؤلاء ما عدا الغلام المذكور بأمر من المنصور .. وفي عيون أخبار الرضا ج ١ ص ١٠٨ ، فما بعدها ، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٧٦ ، ١٧٧ ، والبحار ج ٤٨ ص ١٧٦ فما بعدها .. قصة شبيهة بهذه ينقلها عن حميد بن قحطبة الذي كان يفطر في شهر رمضان ، ليأسه من مغفرة الله ، لأنه قتل ستين علويا في ليلة واحدة بأمر من الرشيد .. ولكن الظاهر أن ذكر الرشيد اشتباه من الراوي ، ولعله عمدي ؛ لأن حميدا قد مات سنة ١٥٨ ، على ما صرح به في البحار ج ٤٨ ص ٣٢٢ ، وخلافة هارون الرشيد إنما بدأت سنة ١٧٠ ، ولعل القصة الحقيقية هي ما عن أحمد بن حنبل ، وانما حرفها المحرفون لحاجة في نفس يعقوب ، لا تخفى على المتتبع الخبير ، والناقد البصير.